"بيرنيس" احترقت في البحر! قصة حريق وإغاثة في الخليج

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

عندما دمّرت النيران سفينة المقيمية البريطانية "بيرنيس" أثناء رحلتها إلى مسقط، عانى المقيم البريطاني في الخليج العربي "أسبوعًا من التوتر الشديد" جراء إشرافه على إنقاذ ١٧٨ من الرجال والنساء والأطفال.

بيرنيس تشتعل وتغرق

في أكتوبر ١٨٦٦، كان الرائد لويس بيلي، المقيم البريطاني في الخليج العربي، على متن السفينة "بيرنيس" التابعة للمقيمية. وأثناء الإبحار عبر الخليج إلى مسقط، اندلع حريق مدمّر عندما كانت السفينة على بعد خمسة وعشرين ميلًا من جزيرة الشيخ شُعيب [المعروفة اليوم بجزيرة لافان]. وفي رسالته لحاكم بومباي، يصف بيلي الحريق بوضوح: "لا بد وأن السفينة كانت تحترق منذ بعض الوقت، فالدخان المنبعث من الفتحات فور فتحها كان خانقًا. لسوء الحظ لم يكن بحوزتنا سوى خرطوم واحد متصل بمضخة المحرك وقد انقطع ذلك الخرطوم [...] لم يكن هناك أمل [...] هرعنا إلى القوارب وبعد ذلك بفترة قصيرة كانت ألسنة اللهب تتصاعد من مقدمتها حتى مؤخرتها".

مقتطف من رسالة بيلي إلى السير هنري بارتل فرير، حاكم بومباي، يصف فيها الحريق، ١٦ نوفمبر ١٨٦٦. Mss Eur F126/43، ص. ٥٣و
مقتطف من رسالة بيلي إلى السير هنري بارتل فرير، حاكم بومباي، يصف فيها الحريق، ١٦ نوفمبر ١٨٦٦. Mss Eur F126/43، ص. ٥٣و

ليلة على شاطئ جزيرة في الخليج

بعد هروبهم على قوارب النجاة دون شيءٍ غير الملابس التي يرتدونها والقليل من الخبز والماء، أمضى بيلي وطاقم السفينة وركابها الليلة على شاطئ جزيرة الشيخ شعيب. بالرغم من أن الكثافة السكانية في الجزيرة كانت منخفضة، إلا أنها لم تكن مهجورة، واستطاع بيلي ومن معه الحصول على مزيدٍ من المياه والتمر من قريةٍ مجاورةٍ قبل أن يفترش الرجال الشاطئ للنوم (أما النساء والأطفال فقد ناموا في القوارب على الأرجح). وبالنظر لموقع الجزيرة على بعد حوالي ٢٠٠ ميلٍ جنوبًا على امتداد الساحل من بوشهر، يُرجح أن درجة الحرارة على الجزيرة ليلًا كانت تتراوح ما بين ٢١-٢٨ درجة مئوية. وبما أن بيلي كان مسافرًا مخضرمًا في الجزيرة العربية ومنطقة الخليج، لم يكن النوم تحت النجوم أمرًا جديدًا عليه. ربما خففت هذه الأمور من صدمة مشاهدة النيران وهي تلتهم السفينة وممتلكاته العديدة.

صورة توضيحية لسفينة بخارية أخرى وهي تحترق في عرض البحر. المصدر: قسم المطبوعات والصور الفوتوغرافية في مكتبة الكونجرس. ملكية عامة
صورة توضيحية لسفينة بخارية أخرى وهي تحترق في عرض البحر. المصدر: قسم المطبوعات والصور الفوتوغرافية في مكتبة الكونجرس. ملكية عامة

في اليوم التالي، وصل الطاقم والركاب إلى نخيلو في الأراضي الفارسية [الإيرانية] قبالة الشيخ شعيب. ومن هناك، بدأ بيلي التخطيط لإنقاذهم بالتعاون مع القبطان إدوين دوز (القائد السابق للسفينة بيرنيس) وضباطه.

تنسيق الإنقاذ

توثق الأوراق الخاصة للويس بيلي، الموجودة الآن في المكتبة البريطانية، أحداث ١-٩ نوفمبر. تشير الأوراق إلى أنه على مدار الأيام الستة التالية، قطعت المجموعة (أو جزءٌ منها على الأقل) مسافة حوالي ١١٠ ميل بحري شرقًا "بمركبٍ محلي" للوصول إلى المحطة البريطانية البحرية التي تزوّد السفن بالفحم في باسعيدو على جزيرة قشم (Mss Eur F126/43، ص. ٤٨و). وفي الطريق، توقفوا في جزيرة كيش وجارك [بندر جارك] ولنجه [بندر لنجة].

خريطة لعُمان والخليج، ١٨٧١. IOR/X/3210، ص. ١و
خريطة لعُمان والخليج، ١٨٧١. IOR/X/3210، ص. ١و

وبينما كانت المجموعة تبحر شرقًا، أرسل بيلي العديد من الرسائل، طالبًا المساعدة بشكلٍ عاجل من جميع الجهات الممكنة – وكلاء الحكومات، المسؤولين المحليين، قباطنة السفن البحرية والتجارية – ومبلغًا السلطات في بومباي بالوضع. تضمنت رسائله نصوص البرقيات المعتزم إرسالها، وقد نقلها ضباط القبطان دوز، على متن " بغلات سفينة تجارية كبيرة. " صغيرة.

في ١ نوفمبر، خاطب بيلي مدير التلغراف، هوبرت أيزاك وولتون، طالبًا منه التوقف في نخيلو بالسفينة البخارية "دالهاوزي" "في طريقـ[ـه] نحو أعلى الخليج" و"إيصالـ[ـهم] صعودًا إلى بوشهر".

رسالة بيلي إلى وولتون، يقول فيها إنه "سيسعد جدًا" إن ساعده، ١ نوفمبر ١٨٦٦. Mss Eur F126/43، صص. ٤٨ظ-٤٩و
رسالة بيلي إلى وولتون، يقول فيها إنه "سيسعد جدًا" إن ساعده، ١ نوفمبر ١٨٦٦. Mss Eur F126/43، صص. ٤٨ظ-٤٩و

في اليوم التالي وهو ما يزال في نخيلو، كتب بيلي أيضًا إلى قائد السفينة المدفعية البريطانية "كلايد"، يطلب إليه أن "[يـ]تكرم و[يـ]ـأتي بالسفينة التي [يـ]قودها". وتحسبًا منه لاحتمال أن تكون مجموعته قد تحركت من هناك عند وصوله، فإن بيلي ينبهه إلى "الالتفات في الطريق [...] للمراكب المحلية وإذا ما صدرت من أحدهم إشارة فاذهب لنجدته" (Mss Eur F126/43، ص. ٥٠و). وبعد وصوله إلى جارك بحلول ٥ نوفمبر، كان من الواضح أن بيلي يفتقد بعض الرفاهيات الأساسية. حيث كتب رسالةً إلى هنري كريستوفر مانس، مشرف محطة التلغراف في شبه جزيرة مسندم، يطلب فيها: "التكرم بإرسال على متن سفينة مدفعية أي جروت [نوع من السيجار] يمكنك الاستغناء عنها دون الإثقال عليك" (Mss Eur F126/43، ص. ٥٠ظ).

الاتصال التلغرافي

يعود الفضل لبيلي نفسه جزئيًا في مد خط التلغراف البحري سنة ١٨٦٤ لربط جوادر وشبه جزيرة مسندم وبوشهر وفاو (امتدادًا للخط البري من كراتشي). ويُرجح أن بعض برقياته خلال هذه الحادثة أُحيلت عبر محطة المُكرِّر (المُعَزِّز) التلغرافي الموجودة على ما يعرف الآن بجزيرة التلغراف [جزيرة مقلب]، وإن لم يكن من الواضح إذا وصل أيٌ منها في الوقت المناسب لتسريع عملية الإنقاذ.

رسم منقوش لجزيرة التلغراف، بيد فريدريك جون جولدسميد، ستينيات القرن التاسع عشر. ملكية عامة
رسم منقوش لجزيرة التلغراف، بيد فريدريك جون جولدسميد، ستينيات القرن التاسع عشر. ملكية عامة

تشير مراسلات بيلي إلى أنه حاول كذلك التواصل مع شركة الهند البريطانية للملاحة البخارية، للاستفادة من بواخر البريد المارة في طريقها من بندر عباس وإليها. وكان هذا من شأنه تسريع الاتصالات وتمكينه من استلام أية رسائل موجهة له.

السفينة البخارية بيرنيس

بدأت السفينة "بيرنيس" رحلاتها البحرية كباخرة بريد، حيث كانت تنقل البريد والركاب بين بومباي [مومباي] والسويس في مصر. شُيدت السفينة في جلاسجو لصالح شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا ودُشِّنت سنة ١٨٣٧. كانت "بيرنيس" سفينةً شراعيةً من نوع "سلوب"، بدواليب تجديفٍ خشبية، وكان بإمكانها الإبحار بواسطة الشراع أو البخار أو كليهما. في وقتٍ ما بين ١٨٤٥ و١٨٥٢، اُعيد توظيفها لتصبح السفينة الحربية البخارية الأولى للشركة.

"بيرنيس"، ١٨٣٧، صورة من كتاب جيمس نابيير "حياة روبرت نابيير من غرب شاندون"، موجودة بين صص. ٦٤-٦٥. الرسام غير معروف. قام برقمنة الصورة مشروع شراكة المكتبة البريطانية/مؤسسة قطر
"بيرنيس"، ١٨٣٧، صورة من كتاب جيمس نابيير "حياة روبرت نابيير من غرب شاندون"، موجودة بين صص. ٦٤-٦٥. الرسام غير معروف. قام برقمنة الصورة مشروع شراكة المكتبة البريطانية/مؤسسة قطر

يشير كتاب تشارلز راثبون لو "تاريخ البحرية الهندية، ١٦١٣-١٨٦٣" إلى أن "بيرنيس" شهدت عدة عمليات ونزاعات عسكرية، من بينها الحرب الأنجلو-بورمية الأولى (١٨٥٢-١٨٥٣)، والحرب الأنجلو- فارسية (١٨٥٦-١٨٥٧)، و"حملة الصين" [حرب الأفيون الثانية، ١٨٥٦-١٨٦٠]. وقد تأثرت حالة السفينة بالنقل المكثف للقوات والمعارك البحرية، إلى جانب الإصلاحات ذات المقاييس المشبوهة في بعض الأحيان. في نفس السنة التي دُشنت فيها "بيرنيس"، دُشنت أيضًا السفينة "أتلانتا" التابعة لشركة الهند الشرقية وقد فُككت الأخيرة حوالي سنة ١٨٥٠. لذلك، من المحتمل أن "بيرنيس" كانت قد تخطت أوج أدائها بالفعل عندما خُصصت لاستخدام المقيم في الخليج العربي. يلمح إلى ذلك ويليام لوكيير ميرويذر، المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ في عدن، في رسالةٍ إلى بيلي، إذ يشتكي من ميل الحكومة في الهند إلى ترشيد الإنفاق: "إنه لأمرٌ محرج احتراق السفينة «بيرنيس» [..] آمل أن يمنحوك الآن سفينةً بخاريةً جيدةً بدلًا منها. تلك اللجنة المالية في كلكتا هي الشيطان بعينه، يحاولون حرماننا من سفننا البخارية" (Mss Eur F126/3، ص. ٢٦ظ).

ومع ذلك، يبدو أن الحريق لم ينجم فقط عن الحالة المتردية للسفينة. ففي معرض كتابته لفرير في ١٩ نوفمبر ١٨٦٦، يذكر بيلي أن "احتراق «بيرنيس» يُعزى إلى استخدام المشرفين مصابيح دون غطاء على السطح السفلي للسفينة، إن لم يكن في العنبر" (Mss Eur F126/43، ص. ٥٤ظ). وما بين ذلك ومعدات الإطفاء المعطوبة، يبدو أن بيلي عانى من سلسلةً من الحظ العاثر. ومما زاد الطين بلة، أنه أشار أيضًا إلى أن الرحلة ذاتها ربما كانت نتيجة سوء فهم، لولاه "كانت «بيرنيس» لتنجو وكان [بيلي ليتلافى] أسبوعًا من التوتر الشديد". وفي رسالةٍ أخرى إلى فرير، يقول إنه كان مسافرًا "بناءً على ما ظننته استدعاءً خاصًا صادرًا من معاليك" (ص. ٥٣ظ). لا يوضح بيلي طبيعة هذا الاستدعاء، ويبقى السبب المحدد لرحلته غامضًا. ما يمكننا الجزم به هو أن الاتصالات في الخليج، على الرغم من التطوير الذي شهدته بحلول أكتوبر ١٨٦٦، كانت ما تزال بحاجةٍ للمزيد بعد.