وكلاء غنائم ١٨٥٧ والاستحواذ على مجموعة دلهي

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

بين مقتنيات المكتبة البريطانية من المخطوطات، ثمة مجموعات معينة تتمثل من خلالها الروابط المشبوهة بين أنشطة بريطانيا الاستعمارية والعسكرية واستحواذها على التراث الثقافي والفكري.

تتكون مجموعة دلهي لدى المكتبة البريطانية من أكثر من ٣,٥٠٠ مجلد، أغلبها بالعربية والفارسية، ويمكن الاطلاع على العديد منها على مكتبة قطر الرقمية. يصف دليل مجموعات المكتبة البريطانية الاستحواذ على هذه المجموعة بحيادية نسبية، حيث يقول: "جمعها وكلاء غنائم دلهي نيابةً عن الجيش البريطاني في أعقاب الثورة الهندية عام ١٨٥٧".

رقم إدراج الحكومة في الهند وختمها الرسمي. Delhi Arabic 1934، ص. ١و
رقم إدراج الحكومة في الهند وختمها الرسمي. Delhi Arabic 1934، ص. ١و

جسدت الثورة الهندية الكبرى أو الأولى، التي كان يُشار إليها في الروايات البريطانية المعاصرة لتلك الأحداث على أنها "تمرد"، الرفض الشعبي الواسع للقسوة المتزايدة في سياسات شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا العسكرية والاجتماعية. وفي خضم أحداث الثورة، تعرضت مدينة دلهي للنهب المكثف على يد أطرافٍ من البريطانيين والهنود. وبلغت الأحداث لحظتها الحاسمة في شهر سبتمبر عندما سيطر الجيش البريطاني على المدينة.

يثير الاستحواذ على مجموعة دلهي بعد هذه الأحداث المدمرة مباشرةً بعض التساؤلات: ما هو مصدر أو مصادر هذه المخطوطات؟ من هم وكلاء غنائم دلهي؟ من أين استمدوا السلطة لعرض هذه المجلدات للبيع؟

حصار دلهي وتأسيس وكالة الغنائم

في مايو ١٨٥٧، سيطر الثوار الهنود على مدينة دلهي، العاصمة المغولية ذات الأهمية الرمزية. وسرعان ما حاصرها عناصر من جيش شركة الهند الشرقية، الخاضع منذ زمن للسيطرة الفعلية للحكومة البريطانية.

ولتحفيز القوات، اعتمدت القيادة العسكرية لـشركة الهند الشرقية قانون الغنائم، معلنةً مصادرة جميع ثروات الثوار في دلهي لصالح الجيش بموجب حق الاحتلال. انتخبت القوات مجموعة من "وكلاء الغنائم" لإدارة جمع وبيع الغنائم (جريفيثس، ص. ٢٣١). وكان معظم هؤلاء الوكلاء ضباطًا عسكريين رفيعي المستوى يتمتعون بعلاقاتٍ بارزة مثل السير إدوارد كامبل (١٨٢٢-١٨٨٢). وفي حين أن المرسوم الرسمي كان يحظر على الجيش النهب لتحقيق مكاسب شخصية، إلا أن العديد من السجلات والمذكرات الشخصية تبين أنه بمجرد سقوط المدينة في ١٤ سبتمبر، أصبح النهب على أيدي الجنود والضباط الأوروبيين والهنود منتشرًا على نطاقٍ واسع، ومقبولًا ضمنيًا، ومبررًا فيما بعد.

أصدر وكلاء الغنائم تصاريح للنهب وتم الاستيلاء على الغنائم بطريقة منهجية ومحسوبة من الثوار ومن منازل العوام الخاصة (التي أضحى معظمها مهجورًا). وقد ذاع ارتكابهم لممارسات فظيعة، كحفر الأرضيات والجدران داخل المنازل ودور العبادة للكشف عن المجوهرات والنقود وغيرها من الممتلكات التي أخفاها مواطنو دلهي في عجالة.

صورة ملونة مطبوعة حجريًا بعنوان «وكلاء الغنائم يستخرجون كنزًا» من كتاب "الحملة في الهند ١٨٥٧-١٨٥٨" لأتكينسون. الصورة من مجلس متحف الجيش الوطني، لندن، NAM. 1971-02-33-495-23
صورة ملونة مطبوعة حجريًا بعنوان «وكلاء الغنائم يستخرجون كنزًا» من كتاب "الحملة في الهند ١٨٥٧-١٨٥٨" لأتكينسون. الصورة من مجلس متحف الجيش الوطني، لندن، NAM. 1971-02-33-495-23

جُمِعت "الكنوز" المكتسَبة بهذه الطريقة – على الأقل تلك التي سُلِّمت إلى وكلاء الغنائم – في قصور دلهي المهجورة وبيعت بالمزاد العلني. وقُسِّمت العائدات في النهاية بين القوات وفقًا لنسب ثابتة حسب رتبهم.

قانون الغنائم: الجوانب القانونية والأخلاقية

نشأ قانون الغنائم، الذي يصفه المؤرخ ويليام دالريمبل بأنه "نهب مشرّع" (ص.٣٤٠)، في السياقات البحرية الأوروبية، ثم قننته إنجلترا وغيرها من القوى البحرية العالمية تدريجيًا بدءًا من العصور الوسطى. يأخذ قانون الغنائم في الاعتبار الممارسات التقليدية للنهب التي يمكن بموجبها للبحارة أو القوات الاستيلاء على الممتلكات الخاصة الموجودة على سفن العدو. وتوَّثق سجلات شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا أحكام القانون فيما يتعلق بأجور القوات والتخلص من السفن الحربية والتجارية المعادية.

مقتطف من سجل تابع لشركة الهند الشرقية عن رحلة إلى سوفالي، بالقرب من سورات، ثم إلى جاسك في إيران، وعودةً إلى سوفالي، ١٦١٨-١٦١٩. IOR/L/MAR/A/XXVIII، ص. ٦ظ
مقتطف من سجل تابع لشركة الهند الشرقية عن رحلة إلى سوفالي، بالقرب من سورات، ثم إلى جاسك في إيران، وعودةً إلى سوفالي، ١٦١٨-١٦١٩. IOR/L/MAR/A/XXVIII، ص. ٦ظ

ولم تكن أوروبا وحدها في انتهاج جمع الغنائم، كما تشهد الأطروحات العسكرية العربية من العصور الوسطى. على سبيل المثال، يخصص دليل في المسائل العسكرية والفروسية يعود إلى القرن الرابع عشر من تأليف محمد بن عيسى بن إسماعيل الحنفي الأقصرائي بابًا لبيان قواعد النهب. وفي السياق الهندي، هزمت القوات البريطانية تيبو سلطان، حاكم مملكة ميسور الجنوبية، في ١٧٩٩، واستولت على ما يقرب من ٢,٠٠٠ مجلد من مكتبته، بالإضافة إلى خزينته وأسلحته. خضع ذلك الانتصار أيضًا لقانون الغنائم، وتوجد حوالي ٦٠٠ مخطوطة من تلك المخطوطات الآن في المكتبة البريطانية. ويجدر الذكر أن مكتبة تيبو نفسها كانت قد جُمعت بواسطة العنف من بلاطات الحكام المسلمين في جنوب الهند أثناء حملاته وحملات والده حيدر علي.

بداية باب الأقصرائي في قسمة الغنائم والأحكام الشرعية المتعلقة بالجهاد بتاريخ ٧٧٣هـ/١٣٧١م. Add MS 18866، ص. ٢٤٠ظ
بداية باب الأقصرائي في قسمة الغنائم والأحكام الشرعية المتعلقة بالجهاد بتاريخ ٧٧٣هـ/١٣٧١م. Add MS 18866، ص. ٢٤٠ظ

مخطوطات مَلَكية ومخطوطات خاصة

كان التراث المكتوب، في هيئة الكتب والمخطوطات، من بين ضحايا العنف في ١٨٥٧. حتى أن تشارلز سوندرز، من إدارة الاستخبارات البريطانية في دلهي، أعرب عن أسفه في أكتوبر لأن "عددًا كبيرًا من الكتب الفارسية والعربية القيّمة قد دُمرّت عبثًا على يد جنودنا الذين كادوا يخرجون عن السيطرة في الأيام العشر الأولى بعد دخولهم المدينة" (موير، ص. ٢٨٨).

كانت المخطوطات تعد ممتلكات قيمة في نظر الكثيرين، لذا فقد استهدفها كلٌ من الناهبون المستقلون ووكلاء الغنائم. وكان من بين مرؤوسي ومساعدي الوكلاء بعض المتخصصين في أصناف معينة من الممتلكات، منها الكتب. وعندما استولت القوات البريطانية على الحصن الأحمر (مجمع القصور المغولي)، تحفظت على ما تبقى من المكتبة المَلَكية، إلى جانب الأزياء والرموز الملكية والمنسوجات والمواد المعمارية. وبالتالي، تتضمن مجموعة دلهي اليوم بعض المجلدات الباقية من المكتبة المغولية المهيبة سالفًا، والتي كانت قد تقلصت كثيرًا بحلول عام ١٨٥٧ من الـ٢٤,٠٠٠ مخطوطة التي سجلها الرحالة الألماني يوهان ألبريشت فون ماندلسلو في عام ١٦٣٨.

ختم مغولي مخدوش ودَمغَة الحكومة في الهند على نسخة من القرن الثاني عشر من "طبائع الحيوان" للمروزي. Delhi Arabic 1949، ص. ١و
ختم مغولي مخدوش ودَمغَة الحكومة في الهند على نسخة من القرن الثاني عشر من "طبائع الحيوان" للمروزي. Delhi Arabic 1949، ص. ١و

كما استهدف وكلاء الغنائم مجموعات خاصة تمتلكها أو ترتبط بها شخصيات سياسية وأدبية بارزة ذات صلة بالمغول، على أساس أن مالكيها متهمون بالثورة ضد بريطانيا، لتصبح هذه المخطوطات أيضًا مكونًا رئيسيًا في مجموعة دلهي. وقد أجرى الباحث الألماني ومدير مدرسة كلكتا، هاينريش بلوشمان (١٨٣٨-١٨٧٨)، مسحًا للمخطوطات في ١٨٦٩ وحدد علامات المالكين أو الناسخين التالين: كريم الله بن لطف الله (توفي عام ١٨٧٤) وهو باحث ومؤلف وكاتب وناسخ بارز من دلهي؛ والشاعر وزعيم الثوار المفتي صدر الدين خان آزرده (توفي عام ١٨٦٨)؛ والمفتي فضل حق خير آبادي الذي توفي في المنفى عام ١٨٦٢. وكان من بين المكتبات الأخرى التي صودرت، مكتبة شاعر البلاط زاهر الدهلوي (١٨٣٥-١٩١١) ومكتبات سلالة عالم الدين الشهير شاه ولي الله الدهلوي (١٧٠٣-١٧٦٢) من العلماء المرتبطين بالمقاومة ضد بريطانيا.

وفي حين أن المزادات العلنية على الغنائم استمرت في دلهي لسنوات، تم شراء مجموعة مكونة من ٤,٧٠٠ مخطوطة وكتاب مطبوع في عملية بيع خاصة رُتبت على عجل في ١ أكتوبر ١٨٥٨. وكان المشتري هو الحكومة البريطانية الإمبراطورية في الهند المُعلنة حديثًا، والتي استحوذت بذلك على الثروات الفكرية والرمزية والفعلية للأراضي المغولية التي أخضعتها لسيطرتها. لقد استولت بريطانيا على المكتبات المَلَكية والخاصة في دلهي وأعادت بيعها لنفسها فيما يسميه الباحث باتريك ج. دي سيلفا "غسيل المخطوطات" (ص. ٥٧).

ووفقا للرائد ليس، الذي كُلِّف بتقييم وفهرسة المخطوطات، فإنها كانت بالفعل في "حالة يُرثى لها"، وعلى الرغم من إجراءات الحفظ وإعادة التجليد عانت المخطوطات مزيدًا من التدهور (IOR/P/434/1، ص. ٧٤٩). فقد أُرسلت إلى كلكتا عام ١٨٥٩ في "صناديق بيرة''، وخُزنت بشكل سيئ، وتعرضت لتلفٍ ناتجٍ عن الحشرات، كما قام الجنود البريطانيون بالرسم والخربشة عليها. وفي عام ١٨٦٦، تضررت المخطوطات بفعل الأمطار وتغير ترتيبها أثناء جهود الإنقاذ المستعجلة (IOR/P/434/1، ص. ٧٥٢).

صفحة ربعية مطبوعة تحمل العنوان "القانون رقم XIV. لعام ١٨٥٠" استُخدمت كغلاف لعدة أوراق غير مجلدة بدلًا من الغلاف والتجليد المفقودين. Delhi Arabic 1919، أمامي-i
صفحة ربعية مطبوعة تحمل العنوان "القانون رقم XIV. لعام ١٨٥٠" استُخدمت كغلاف لعدة أوراق غير مجلدة بدلًا من الغلاف والتجليد المفقودين. Delhi Arabic 1919، أمامي-i

بيعت الكتب المطبوعة، التي اُعتبرت غير ذات أهمية، إلى جانب ١,١٢٠ مخطوطة اعتبرتها الحكومة أقل قيمة. أخيرًا، في عام ١٨٧٥، وبعد رفض المتحف الإمبراطوري في كلكتا لها، خُتمت المخطوطات بختمٍ حكومي وأُرسلت إلى لندن لتودع في مكتبة مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. قبل أن تُنقل في نهاية المطاف إلى المكتبة البريطانية.

مجموعة دلهي اليوم

بعد ١٦٠ عامًا من التذبذب بين الاهتمام المتقطع والإهمال التام، تحصل المجموعة الآن على ما تحتاجه من حفظ وعناية. ويقوم الباحثون والقيّمون على المجموعات بتسليط الضوء على أهميتها الأدبية والفكرية والتاريخية، فضلًا عن مصدرها الإشكالي. وبالإضافة للمخطوطات العربية المتاحة على مكتبة قطر الرقمية، توفر المكتبة البريطانية فهرسًا على الإنترنت ومطابقة لفهارس غير منشورة للمخطوطات العربية والفارسية من مجموعة دلهي. ومع التحسن المستمر في إمكانية الوصول عبر الإنترنت، يصبح من الممكن لهذه المخطوطات والسجلات الشاهدة على تاريخها الحافل أن تتحدث عن نفسها.