عرض عام

قبل العصر الحديث، تشابكت حياة الناس والحيوانات بعدة طرق في البلدان العربية، كما جميع أنحاء العالم، ما أفضى إلى كتابة العديد من النصوص العربية العلمية وتلك المتعلقة بالبيطرة وعالم الوحوش.

لم يكن علم الحيوان بمفهومه الحديث مجالًا منفصلًا في التراث العلمي العربي، وإنما أشير إلى الحيوانات ضمن نصوص متنوعة، العديد منها متوفر الآن عبر مكتبة قطر الرقمية. تتراوح الكتابات من تلك المتعلقة بالمعارف الدقيقة للجوانب البيطرية والصيدلانية والطبية للحيوانات الحية والمنتجات الحيوانية، إلى الاستفسارات الكونية الأوسع حول مكان المخلوقات في الكون - سواء الحيوانات أو البشر. تتفق هذه النصوص في نظرتها النفعية للعالم التي تعتبر كلا من البشر والحيوانات من إبداعات الله، ولكن الحيوانات تابعة للإنسان ومسخرة لمنفعته.

المصادر والأعمال الموسوعية

إلى جانب الشعر الجاهلي والمراجع القرآنية، شكلت الأعمال اليونانية حول المعرفة الحيوانية مصادر أولى مهمة للكتابات العربية عن الحيوانات. ومن بينها بعض المقالات التي كتبها أرسطو (٣٨٤-٣٢٢ ق.م.)، والتي نُقلت إلى اللغة العربية تحت عنوان "كتاب في معرفة طبائع الحيوان البري والبحري" (Add MS 7511).

افتتاحية القول الثالث عشر، "كتاب في معرفة طبائع الحيوان البري والبحري"، وهو ترجمة لمقالات أرسطو عن الحيوانات. Add MS 7511، ص. ١٠١و
افتتاحية القول الثالث عشر، "كتاب في معرفة طبائع الحيوان البري والبحري"، وهو ترجمة لمقالات أرسطو عن الحيوانات. Add MS 7511، ص. ١٠١و

وقد جُمِّعت منذ وقتٍ مبكر أعمالٌ موسوعية ضخمة عن مملكة الحيوان، تنطوي على محتوى أدبي وفلكلوري بالإضافة إلى أوصاف مبنية على المشاهدات. تشمل هذه الأعمال "كتاب الحيوان" للجاحظ (توفي ٢٥٥هـ/ ٨٦٨-٨٦٩م)، و"كتاب طبائع الحيوان" (Delhi Arabic 1949؛ Add MS 21102) للمروزي (عاش في القرن ٥-٦هـ/ ١١-١٢م)، و"كتاب حياة الحيوان" (Or 10885؛QNL 9541) للدميري (توفي ٨٠٨هـ/ ١٤٠٥م). تتبع المدخلات الفردية في هذه الأعمال نسقًا موحدًا، يصف عادة جنس الحيوان من ذكر وأنثى، وسلالته، وأي أنواع متغايرة مع بيان أسمائها، وسلوكياتها، والخصائص الطبية لأجسامها ومنتجاتها.

عجائب المخلوقات وفوائد الحيوانات

تصنف هذه الأطروحات موضوعاتها حسب الخصائص السلوكية والجسدية الملحوظة، مثل أنماط الحركة أو الغذاء أو السلوك الاجتماعي. على سبيل المثال، يقوم القزويني (توفي ٦٨٢هـ/ ١٢٨٣م) في "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" ببيان الدواب أولًا، تليها النعم، ثم السباع، ثم الطير، ثم الهوام والحشرات، وأخيرًا حيوانات البحر. اكتسب هذا الكتاب شعبيةً كبيرة حيث اشتهر برسوماته التوضيحية في علم الكونيات، وتعد النسخة المعروفة بـ"لندن قزويني" (Or 14140) لدى المكتبة البريطانية أحد أقدم نسخه. وقد تُرجم إلى عدة لغات منها الفارسية (Or 1621) والتركية، وغيرها من اللغات جنوب الآسيوية، طوّرت كلٌ منها الرسوم التوضيحية وفقًا لتراثها.

الدُرّاج والديك موضحين بالصور في "لندن قزويني". Or 14140، ص. ١١٨ظ
الدُرّاج والديك موضحين بالصور في "لندن قزويني". Or 14140، ص. ١١٨ظ

نُظم على أسس مماثلة تراثٌ آخر من النصوص الموسوعية عن الحيوانات عُرِف بـ"نعت الحيوان". فبينما يتعلق "عجائب المخلوقات" بعلم الكونيات الشامل، جامعًا الوحوش الأسطورية والجن والبشر والنباتات، تُعنى تصنيفات "نعت الحيوان" بالحيوانات فقط. ويشترك التراثان في محتواهما الذي يجمع بين الأسطورة والسرد وفي هدفهما المتمثل في التأمل في عجائب خلق الله. تستعرض هذه النصوص الممزوجة السلوكيات المعتادة للحيوانات، بالإضافة إلى الاستخدامات الطبية المحددة لأجزاء من أجسامها ومنتجاتها. توجد لدى المكتبة البريطانية نسخة من "نعت الحيوان" (Or 2784) قد تكون أقدم نسخة باقية من هذا الكتاب (حوالي ٦٢٢هـ/ ١٢٢٥م). تزخر هذه النسخة بالرسوم التوضيحية، مما يجعلها شاهدًا مهمًا على التراث الفني للعالم العربي في أوائل القرن الثالث عشر.

الطاووس موضحًا بالرسم في واحدة من أقدم نسخ كتاب "نعت الحيوان". Or 2784، ص. ٢٣١و
الطاووس موضحًا بالرسم في واحدة من أقدم نسخ كتاب "نعت الحيوان". Or 2784، ص. ٢٣١و

الحيوانات في الصيدلة والطب

كان علم التغذية، المستند إلى علم الأمراض الخلطية الذي يستخدم علاجات نباتية، حجر الأساس في الطب العربي. حيث تناقش الأدلة الإرشادية، مثل "تقويم الصحة" (Or 1347) لابن بطلان (توفي حوالي ٤٦٠هـ/ ١٠٦٨م)، تأثير المنتجات الحيوانية مثل الحليب والسمك واللحوم على صحة الإنسان.

قسم عن أعضاء الحيوانات من كتاب "تقويم الصحة" لابن بطلان. Or 1347، ص. ٢٠ظ
قسم عن أعضاء الحيوانات من كتاب "تقويم الصحة" لابن بطلان. Or 1347، ص. ٢٠ظ

كما اهتم مؤلفو الأدلة الطبية والصيدلانية العملية لعلاج الأمراض البشرية والحيوانية بالأعضاء والمنتجات الحيوانية مثل البول والبراز والدم والجلد والريش (إلى جانب الأعشاب والأملاح المعدنية). ولعل أشهر تلك الأدلة كتاب "القانون في الطب" لابن سينا (توفي ٤٢٨هـ/ ١٠٣٧م؛ انظر على سبيل المثال Or 4946؛ Or 5033؛ Or 3343).

ونذكر ضمن هذا النوع من المؤلفات أيضًا "منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان" لابن جزلة (توفي ٤٩٣هـ/  ١١٠٠م)، وهو دليلٌ أبجدي بالمكونات الفردية والوصفات الطبية للأدوية المركبة؛ توجد لدى المكتبة البريطانية نسخة مبكرة خُطّت في حياة المؤلف (Or 7499) ونسخة أخرى في Or 9452, ff 21v-62r. وتتضمن كتب السموميات، مثل "كتاب السموم والترياقات" لابن وحشية (القرن ٣هـ/ ١٠م؛ Add MS 23604علاجات توظف سم الثعبان وبدنه كمكونات أساسية لترياقات ضد السموم ولدغات الثعابين. وامتدادًا لهذا التراث، تناقش نصوص مثل "كتاب الخواص الكبير" المنسوب لجابر بن حيان (حوالي القرن ٢هـ/ ٨-٩م) الخصائص الخفية والكيميائية للأعضاء الحيوانية من بين أمورٍ أخرى (Or 4041).

فقرة عن الأرنب في كتاب "منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان" لابن جزلة. Or 7499، ص. ١٦و
فقرة عن الأرنب في كتاب "منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان" لابن جزلة. Or 7499، ص. ١٦و

رعاية الحيوانات في أوقات الحرب والسلام

بقي إلى يومنا هذا عددٌ ضخم من مواد الطب البيطري، يرتبط معظمها ارتباطًا وثيقًا بالطب البشري، خاصة في مجالي علم وظائف الأعضاء والجراحة. تمتعت الخيول بالذات بقيمةٍ عالية لدى جميع أطياف المجتمع، فاستأثرت بفرعٍ محددٍ من أعمال البيطرة هو طب الخيل أو "الزردقة". تضمنت تلك الأعمال نسخًا من مقالات مثل "كتاب الفروسية وشيات الخيل" (Add MS 23416؛ Or 1523) لمدرب الخيول العباسي ابن أخي حزام (عاش قرب ٢٨٧هـ/ ٩٠٠م)، أو أطروحات كأطروحة البيطار (المعروف أيضًا بابن المنذر، توفي ٧٤١هـ/ ١٣٤٠-١٣٤١م)، كبير البياطرة لدى السلطان المملوكي الناصر قلاوون (Add MS 14056, ff 19r-123v).

رسم توضيحي لمزايا الفرس، من نسخة من "كتاب البيطرة" للأزدي، بتاريخ ٦٢٠هـ/ ١٢٢٣م. Or 1523، صص. ٢٢ ظ-٢٣و
رسم توضيحي لمزايا الفرس، من نسخة من "كتاب البيطرة" للأزدي، بتاريخ ٦٢٠هـ/ ١٢٢٣م. Or 1523، صص. ٢٢ ظ-٢٣و

كما كانت للخيول أهمية كبيرة في الحرب والصيد، إذ كان يُشترط أن يتفوق المرء في ركوب الخيل قبل أن يشرع في التدرب على مهارات أكثر تقدمًا كالرماية بالرمح والسهام والمبارزة بالسيف. تتناول أطروحات الفروسية رعاية الخيول ومهارات ركوبها والحيل وألعاب ظهر الخيل مثل "القبق" (تسديد السهام على هدف أثناء العدْو السريع). بعض هذه الأطروحات مزود برسومات توضيحية مثل "نهاية السؤل والأمنية في تعلم أعمال الفروسية" (Add MS 18866) المنسوبة إلى الأقصرائي (توفي ٧٤٨-٧٤٩هـ/ ١٣٤٨م). وتجدر الإشارة إلى أن العديد من مؤلفات ونسخ أعمال الفروسية التي بقيت إلى اليوم تعود إلى مجتمعات العصر الأيوبي والمملوكي في مصر وسوريا (٥٦٤-٩٢٣هـ/ ١١٦٩-١٥١٧م)، وهي مجتمعاتٌ غلب عليها الطابع العسكري.

"صورة عدة الفرسان يلعبون ناوردًا [مبارزة] ورماحهم على أكتافهم"، من أطروحة في الفروسية نسبت للأقصرائي. Add MS 18866، ص. ٩٩و
"صورة عدة الفرسان يلعبون ناوردًا [مبارزة] ورماحهم على أكتافهم"، من أطروحة في الفروسية نسبت للأقصرائي. Add MS 18866، ص. ٩٩و

وتتضمن أطروحات الصيد – باعتباره نشاطًا أساسيًا للمحاربين –أقسامًا عن تربية وعلاج الحيوانات التي يستلزمها هذا النشاط، بما في ذلك الكلاب والفهود والصقور. نرى ذلك مثلًا في "الجمهرة في علم البيزرة" (Add MS 23417) للأسدي (عاش في ٥٤٤-٤٦٦هـ/ ١١٥٠-١١٧٠م). كما أٌلِّفت أعمال متخصصة في تربية الجوارح وصحتها، مثل "كتاب القانون الواضح في علم البيزرة" (Or 8187؛ Or 15639) للوطواط (توفي ٧١٨هـ/ ١٣١٨م). وأخيرًا، نجد كذلك ضمن أعمال الزراعة وتربية الحيوان أقسامًا عن رعاية الحيوانات، مثل "كتاب الفلاحة النباتية" (Add MS 22371) لابن وحشية الذي سبق وأن ذكرناه.

رسم هامشي لصقر في عمل مجهول المؤلف بعنوان "كتاب البيزرة". Or 8187، ص. ٢و
رسم هامشي لصقر في عمل مجهول المؤلف بعنوان "كتاب البيزرة". Or 8187، ص. ٢و

الخاتمة

يتجلى هذا الشغف بالحيوانات أيضًا في أجناسٍ أدبيةٍ أخرى مثل الشعر والقصص الخرافية، حيث تُوظف الحيوانات كأدوات مجازية وأخلاقية لإلقاء الضوء على سلوك البشر وعواطفهم ونزعاتهم. إلا أن غزارة الكتابات العلمية العربية حول تصنيف الحيوانات ومنافعها ورعايتها تشهد على الخبرة العملية العميقة في التعامل مع الحيوانات التي اشترك فيها البياطرة والصيادلة والأطباء والشخصيات العسكرية على مدى قرون عديدة.