فرانسيس لوك والحملة البريطانية للقضاء على "القرصنة" في الخليج

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

كان لوصول القبطان فرانسيس إرسكاين لوك في الخليج أثره الفوري الذي ستنسحب تبعاته على السلوك البريطاني تجاه الخليج لما يربو على مائتي سنة.

منهجٌ أكثر عدوانية

في شهر ديسمبر من سنة ١٨١٨، وصل القبطان فرانسيس إرسكاين لوك إلى الخليج ليشغل منصب الضابط البحري الأول لحساب بريطانيا. وكانت السنوات السابقة لوصوله قد شهدت زيادةً في البلاغات عن الهجمات التي تتعرض لها السفن التجارية في الخليج والمحيط الهندي، وقد ألقي اللوم في ذلك على قبيلة القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. التي كانت تتخذ من رأس الخيمة مركزًا لها. وكانت بريطانيا قد شنت حملةً عسكريةً ضد القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. سنة ١٨٠٩، إلا أنها لم تفلح في قمع القبيلة التي كانت تشير لأفرادها بأنهم "قراصنة". تمثلت الاستراتيجية الرئيسية للتعامل مع هجمات القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. بعدها في توفير الحماية لأساطيل السفن التجارية. إلا أن لوك تبنى منهجًا أكثر عدوانية، يتمثّل في تقصّي السفن التابعة للقواسم ومهاجمتها حيثما وُجدت.

تصوير لهجوم على لنجة [بندر لنجة] أثناء الحملة العسكرية سنة ١٨٠٩. ملكية عامة. قامت برقمنة الصورة شراكة المكتبة البريطانية ومؤسسة قطر من ريتشارد تيمبل، مشاهد من الخليج الفارسي (لندن: و. هاينز، ١٨١٣)
تصوير لهجوم على لنجة [بندر لنجة] أثناء الحملة العسكرية سنة ١٨٠٩. ملكية عامة. قامت برقمنة الصورة شراكة المكتبة البريطانية ومؤسسة قطر من ريتشارد تيمبل، مشاهد من الخليج الفارسي (لندن: و. هاينز، ١٨١٣)

توفر سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. الدليل على النشاط الذي اتسمت به مساعي لوك. على سبيل المثال، في ٢٨ ديسمبر ١٨١٨، قابل لوك أربع سفن "تابعة للقواسم، وفي ذيلها ثلاث غنائم" (IOR/F/4/649/17852، ص. ٢٢١ظ). لاحق لوك السفن وقبض على سفينتين وعشرٍ من أفراد الطاقم الذين استُجوبوا ومن ثمّ أُرسلوا إلى بومباي كسجناء. تقدم محاضر الاستجواب لمحةً عن نشاطات القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. . ففي أجوبتهم، يصف السجناء عمليةً شاركت بها عدة قبائل عربية، حيث شنوا غاراتٍ بعرض المحيط الهندي وصولًا للسند وكجرات، ثم عادوا بما نهبوا ومن أسروا إلى الخليج. وتشير هذه التقارير وغيرها إلى أن الأنشطة التي كان يعرّفها البريطانيون على أنها "قرصنة" كانت تنبع في الواقع من عددٍ من الصراعات المبنية على التحالفات المتغيرة في الخليج وما وراءه. إلا أن لوك كان مقتنعًا بوجود نشاط قرصنة موحد تحت قيادة القواسم، ولذا فقد أصدر تعليمات لأحد ضباطه بأن "تبذلوا قصارى جهدكم لتدمير كل سفن القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. التي تواجهكم إذا ما تعذر عليكم الإمساك بها" (صص. ٣٣٤و-٣٣٤ظ).

قائمة بـ"القواسم" الذين أسرتهم السفينة الملكية "إيدن" في ٢٩ ديسمبر ١٨١٨. يسجل عمود "البلد" أن جميع السجناء من اليمن، مما يتناقض مع تأكيد لوك أنهم من القواسم. IOR/F/4/649/17852، ص. ٣٢٢و
قائمة بـ"القواسم" الذين أسرتهم السفينة الملكية "إيدن" في ٢٩ ديسمبر ١٨١٨. يسجل عمود "البلد" أن جميع السجناء من اليمن، مما يتناقض مع تأكيد لوك أنهم من القواسم. IOR/F/4/649/17852، ص. ٣٢٢و

كانت "القرصنة" في نظر لوك أمرًا تجب مواجهته دون مجالٍ للمساومة. ففي مارس ١٨١٩، تلقى لوك رسالةً من الشيخ حسن بن رحمة القاسمي، حاكم رأس الخيمة، الذي اقترح هدنةً يعطي القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. بموجبها الأمان للسفن البريطانية والسواحل المتصلة بالأقاليم البريطانية في الهند. إلا أن لوك رفض هذا العرض، مؤكدًا في رده "نحن لا نتقيد بأيِّ حدٍ إلا ما يحدده لنا الله، وما تستطيع سفننا الحربية الوصول إليه."

مقتطف من رد لوك على الشيخ حسن، يرفض فيه الأول الهدنة المقترحة. IOR/F/4/649/17852، صص. ٣١٩ظ-٣٢٠و
مقتطف من رد لوك على الشيخ حسن، يرفض فيه الأول الهدنة المقترحة. IOR/F/4/649/17852، صص. ٣١٩ظ-٣٢٠و

يكشف هذا الرد شيئًا من دوافع لوك وقناعاته، حيث كان يؤمن بأن السفن البريطانية والرعايا البريطانيين يمتلكون "حقًا" مطلقًا للملاحة الحرة في مياه الخليج والمحيط الهندي. كما أنه ينبغي الدفاع عن هذا "الحق" والتمسك به حتى إن لزم ذلك استخدام القوة. لذا فقد رفض التفاوض مع القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. وساند الدعاوى لشن حملةٍ عسكريةٍ في سبيل إتمام مهمة "فرض السلام" في الخليج، على حد تعبيره.

حملة سنة ١٨١٩

وقعت هذه الحملة في شهر ديسمبر سنة ١٨١٩. اجتاحت القوات البريطانية رأس الخيمة بسرعة كبيرة، ومن ثمّ وقّع القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. والقبائل المجاورة معاهدةً وافقوا فيها على "وقف أعمال النهب والقرصنة". وفقًا للواء السير ويليام جرانت كير (المعروف بالسير ويليام كير جرانت لاحقًا)، الذي قاد الحملة، كانت هذه المعاهدة "مصممة للتوصل لقمع القرصنة، وتأسيس خطٍ تجاريٍ حرٍ وآمن بين شتى الموانئ في الخليج وتلك التي في الهند" (IOR/F/4/651/17855، ص. ٧٢و).

مقتطف باللغة الإنجليزية يبين الفقرتين الأوليين من المعاهدة العامة لسنة ١٨٢٠. IOR/L/PS/10/606، ص. ١٣١و
مقتطف باللغة الإنجليزية يبين الفقرتين الأوليين من المعاهدة العامة لسنة ١٨٢٠. IOR/L/PS/10/606، ص. ١٣١و
مقتطف باللغة العربية يبين نفس الفقرتين من المعاهدة العامة لسنة ١٨٢٠. IOR/L/PS/10/606، ص. ١٤٦ظ
مقتطف باللغة العربية يبين نفس الفقرتين من المعاهدة العامة لسنة ١٨٢٠. IOR/L/PS/10/606، ص. ١٤٦ظ

لكن الحملة لم تكن قد انتهت بعد، فقد واصل لوك ملاحقة القواسم إحدى الأسر الحاكمة في الإمارات العربية المتحدة؛ يُستخدم أيضًا للإشارة إلى ائتلافٍ من البحّارة العرب قادته قبيلة القاسمي من رأس الخيمة. وحلفائهم في مناطق أخرى من الخليج، بل وشن هجماتٍ على سفنٍ في ميناءي عسولية وكنغان على الساحل الفارسي. تبين بعد ذلك أن الاتهامات الموجهة لهذ السفن لم يكن لها أساس مما اضطر البريطانيين لتعويض أصحابها في نهاية المطاف. على الرغم من ذلك، نجحت الحملة في فرض نظامٍ جديدٍ في الخليج تحت الوصاية البريطانية، وظل ذلك النظام قائمًا لمائةٍ وخمسين سنةٍ بعدها.

تقرير لوك عن الهجمات التي شنها على "سفن القراصنة" في عسولية وكنغان، ضمن رسالةٍ إلى ج. أ. كولير، بتاريخ ٢٦ يناير ١٨٢٠. IOR/F/4/651/17855، ص. ١٢١ظ
تقرير لوك عن الهجمات التي شنها على "سفن القراصنة" في عسولية وكنغان، ضمن رسالةٍ إلى ج. أ. كولير، بتاريخ ٢٦ يناير ١٨٢٠. IOR/F/4/651/17855، ص. ١٢١ظ

جدلٌ مستمر

بعد مرور قرنٍ على مغادرته الخليج، ظل لوك يتوسط الجدل الدائر حول حملة ١٨١٩. ففي سنة ١٩٦٦، نشر تشارلز بلجريف كتابه "ساحل القراصنة". كان بلجريف قد عمل مستشارًا لحكّام البحرين على مر ثلاثين عامًا، إلى أن أقصته الضغوط الشعبية من منصبه سنة ١٩٥٧. وقد سعى بلجريف في كتاباته اللاحقة للدفاع عن السجل البريطاني في الخليج. يروي بلجريف في كتابه "ساحل القراصنة" أحداث حملة ١٨١٩، مستندًا بشكلٍ رئيسي إلى مذكرات لوك غير المنشورة (وهي اليوم جزءٌ من السجلات الوطنية لاسكتلندا). يؤكد بلجريف أن "يوميات لوك... تجعل القارئ يدرك قدر الأرواح البريطانية التي بُذلت في سبيل قمع القرصنة". كما يجادل أن ذلك تم "ليس طمعًا في غزو الأراضي، وإنما سعيًا لجعل البحار آمنةً للسفن من جميع البلاد" (ص. ١٩٢).

في المقابل، يتعرض لوك لنقدٍ حاد في كتاب الشيخ سلطان محمد القاسمي "أسطورة القرصنة العربية في الخليج" المنشور سنة ١٩٨٦. يجادل القاسمي أن القرصنة العربية ما هي إلا "أسطورة" روجها البريطانيون للتستر على أطماعه الإمبريالية. ويصف لوك بأنه "أحد أكثر الضباط البحريين طيشًا في الخليج" (ص. xvi)، كما يصف تصرفاته خلال حملة سنة ١٨١٩ بأنها "عربدة لتدمير السفن العربية على جانبيّ الخليج" (ص. ٢٢٥). ففي نظر القاسمي، هذه الهجمات العشوائية التي شنها لوك على السفن العربية هي في حد ذاتها قرصنة.

قائمة بالسفن التي أمسك بها أو دمرها لوك في الخليج على مدى الاثني عشر شهرًا التي سبقت حملة سنة ١٨١٩. IOR/F/4/651/17855، ص. ٢٦٢و
قائمة بالسفن التي أمسك بها أو دمرها لوك في الخليج على مدى الاثني عشر شهرًا التي سبقت حملة سنة ١٨١٩. IOR/F/4/651/17855، ص. ٢٦٢و

ما يزال لوك إذن شخصيةً مثيرةً للجدل، بل إنه بات يمثل – بصورٍ شتى – الجدل الأوسع الذي يحيط بالوجود البريطاني في الخليج. ففي حين أن البعض يراه ضابطًا بحريًا شجاعًا تحلى بالمبادئ وتصرف بحزمٍ ليجلب النظام والسلام لمنطقةٍ زُعم أنه كانت تسودها الفوضى والمخاطر، فإن غيرهم يعتبره تجسدًا للغطرسة والعدوانية اللتين اتسمت بهما الهيمنة البريطانية في المنطقة على مدى قرنٍ ونصف.

إرث لوك

أيًا كان رأينا في لوك، مما لا شك فيه أنه ساهم في تشكيل السلوك البريطاني المستمر إلى يومنا هذا تجاه الخليج. ففي يوليو ٢٠١٩، استولى مشاة البحرية الملكية البريطانية على ناقلةٍ تحمل نفطًا إيرانيًا قرب جبل طارق، وبعدها ببضعة أسابيع، قام الجيش الإيراني – في خطوةٍ انتقامية – بإيقاف ناقلةٍ ترفع العلم البريطاني في الخليج. وصف جيريمي هنت، وزير الخارجية البريطاني آنذاك، الرد الإيراني بأنه "من أعمال القرصنة الرسمية التي تقترفها الدولة"، وأضاف أن "هذا الحادث شكّل انتهاكًا صارخًا لمبدأ حرية الملاحة الذي يقوم عليه في نهاية المطاف كلٌ من النظام التجاري العالمي والاقتصاد العالمي". أفرجت إيران عن الناقلة بعدها بشهرين، إلا أن البحرية الملكية البريطانية حافظت على وجودٍ عسكريٍ مكثّف في الخليج منذ ذلك الحين. الأمر الذي يبعث للدهشة هو الشبه الكبير بين كلمات هنت واللغة التي استخدمها البريطانيون منذ مائتي سنة. إنها تذكرةً بأهمية حملة سنة ١٨١٩، وكيف أن المبادئ التي أرستها ما تزال تُوظَّف لتبرير التدخل الغربي في منطقة الخليج اليوم.

تشكل الرسائل والتقارير التي كتبها لوك جزءًا من السجلات العديدة التي توثق تفاصيل حملة ١٨١٩ والتي يمكن الاطلاع عليها على مكتبة قطر الرقمية. وتتيح هذه السجلات الفرصة للرجوع إلى هذا الحدث الهام وبحث أثره في تشكيل التاريخ الحديث للخليج.