عرض عام

بين الحربين العالميتين، أحدث رضا شاه بهلوي تغييرات كبيرة في إيران وشكّل تحدّيًا للهيمنة البريطانية في الخليج، وهي الفترة التي ما يزال أثرها في الخليج ملموسًا إلى اليوم.

من هو رضا شاه؟

بدأ رضا شاه بهلوي (حكم ١٩٢٥-١٩٤١) مشواره كجندي فقير اسمه رضا خان سوادكوهي من إقليم مازندران، ثم ترقى في الرتب حتى أصبح قائد لواء القوزاق الفارسي. ولمع نجمه في أعقاب الخسائر التي خلفتها الحرب العالمية الأولى: فعلى الرغم من وقوفها على الحياد، وقعت إيران تحت احتلال الحلفاء، ودمّرها نقص الموارد والتضخم والمجاعة، بينما اندلعت الثورات في عدة مناطق من البلاد.

وبعد انقلابٍ عسكري سنة ١٩٢١، تولّى رضا خان وزارة الحرب، ثم أصبح رئيسًا للوزراء بعدها بفترة قصيرة. وقد ساند البريطانيون صعوده إلى السلطة. فبعد أن تخلّت بريطانيا عن خطة اللورد كرزون في جعل إيران محمية بريطانية، آثر البريطانيون تشكيل سلطة قوية للحفاظ على البلد من خطر التفكك أو الوقوع في فلك الاتحاد السوفيتي الذي كان قد أظهر دعمه لحركة الغابة (جانجل) المناهضة للإمبراطورية في جيلان.

صورة لرضا خان في منصب وزير الحرب، ١٩٢١-١٩٢٣. ملكية عامة
صورة لرضا خان في منصب وزير الحرب، ١٩٢١-١٩٢٣. ملكية عامة

وفي سنة ١٩٢٥، وبعد النظر في فكرة جمهورية إيرانية على نهج مصطفى كمال أتاتورك، اعتلى رضا خان العرش بنفسه وتبنى لقب "بهلوي" (على اسم خط إيراني عريق من فترة ما قبل الإسلام) في محاولةٍ منه لإضفاء بريق الإمبراطوريات الإيرانية العريقة على حكمه.

رضا خان يلقي خطابًا أمام أعضاء المجلس (البرلمان) في مسرح تكيه دولت في طهران، ٦ ديسمبر ١٩٢٥، قبل إعلان تنصيبه شاهًا لإيران ببضعة أيام. ملكية عامة
رضا خان يلقي خطابًا أمام أعضاء المجلس (البرلمان) في مسرح تكيه دولت في طهران، ٦ ديسمبر ١٩٢٥، قبل إعلان تنصيبه شاهًا لإيران ببضعة أيام. ملكية عامة

مَركَزة السلطة

عمد رضا شاه إلى تشكيل دولة إيرانية قوية و"حديثة" بجيشٍ وطني وحكومة مركزية. توقف جزءٌ رئيسي من هذا المشروع على نزع سلاح وكسر شوكة القبائل والحكومات الإقليمية التي كان لها أهمية خاصة بالنسبة للخليج.

فمنذ القرن الثامن عشر، كان عدد من الشيوخ العرب على ساحل إيران المطل على الخليج يحكمون أقاليمهم في سياق معاهدات مع الدولة الإيرانية التي يدينون لها بالولاء، وإن كانوا يتصادمون معها بصورة دورية للحصول على مزيدٍ من الاستقلال. إلا أن ذلك تغيّر في ظل حكم رضا شاه، حيث أن أولئك الشيوخ العرب، كحال الأكراد والبختياريين وغيرهم من حكام الداخل، وكزعماء البلوشيين في الشرق، تعرضوا لنزع السلاح والاعتقال والنفي، بل وللقتل أحيانًا.

مقتطف من تقرير من القنصلية البريطانية في كرمان يذكر أسماء الشيوخ المعزولين من ساحل إيران المطل على الخليج في ظل سعي حكومة رضا شاه لمركزة السلطة، مايو ١٩٣١. IOR/L/PS/12/3413، ص. ٧ظ
مقتطف من تقرير من القنصلية البريطانية في كرمان يذكر أسماء الشيوخ المعزولين من ساحل إيران المطل على الخليج في ظل سعي حكومة رضا شاه لمركزة السلطة، مايو ١٩٣١. IOR/L/PS/12/3413، ص. ٧ظ

هذه المساعي لمركزة السلطة، إلى جانب جهود الدولة لاحتكار التجارة الخارجية دفعت الكثيرين نحو الهجرة عبر الخليج.

فرض قوة جديدة في الخليج

كان مشروع المَركَزة الذي تبناه رضا شاه مبنيًا على رؤيته لإيران: دولة قوية خالصة من تدخلات القوى الأجنبية، وعلى رأسها بريطانيا. ففور اعتلائه العرش، بادر رضا شاه بإلغاء التنازلات التي منحها القاجاريون للبريطانيين، والتي شملت محاكم مستقلة وتعريفات جمارك منفصلة استفاد منها التجار الأجانب على حساب الإيرانيين. كما بدأ رضا شاه بدون كلل في تحدي هيمنة بريطانيا على الخليج.

فإلى جانب توسِعَته للجيش، شرع رضا شاه في تطوير البحرية الإيرانية الإمبراطورية. كان الهدف من ذلك هو التصدي لعمليات التهريب بالإضافة لترسيخ وضع إيران كقوة يعتدّ بها في الخليج. حيث يروي الوزير البريطاني في طهران، السير روبرت كلايف، أن وزير البلاط والدبلوماسي المخضرم، عبد الحسين تيمورتاش، قال ذات مرة أن إيران يرضيها أن تكون القوة الرئيسية الثانية في الخليج بعد بريطانيا "ولكنها تبتغي وتعتزم ترسيخ حقها في هذا المركز الثاني وفي أن تُحترم مياهها الإقليمية" (IOR/L/PS/12/3776، ص. ٣٠٧و).

وعلى الرغم من توقعهم حدوث احتكاك بين إيران وجيرانها، أبدى البريطانيون دعمًا مترددًا لهذا المشروع البحري، آملين من وراء ذلك أن يتمكنوا من فرض سيطرتهم وتقييد حجم الأسطول الإيراني ونفوذه. ولكنهم سرعان ما أصيبوا بالإنزعاج عندما حصلت إيطاليا – الواقعة تحت حكم موسوليني آنذاك – على عقود توريد السفن وإعارة الموظفين وتقديم التدريبات.

تقرير من السفارة البريطانية في روما يصف إطلاق أسطول البحرية الإيرانية الإمبراطوري المبني في إيطاليا من نابولي، ٢٣ سبتمبر ١٩٣٢. IOR/L/PS/12/3776، ص. ٧٥و
تقرير من السفارة البريطانية في روما يصف إطلاق أسطول البحرية الإيرانية الإمبراطوري المبني في إيطاليا من نابولي، ٢٣ سبتمبر ١٩٣٢. IOR/L/PS/12/3776، ص. ٧٥و

بالتزامن مع ذلك، أوكل رضا شاه إلى تيمورتاش التفاوض على معاهدة جديدة شاملة مع بريطانيا سنة ١٩٢٧. تبع ذلك سنوات من المفاوضات، طعنت خلالها إيران في الامتيازات البريطانية وفي السيادة على عددٍ من الجزر، من بينها هنجام وطنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.

وكانت من أكثر المسائل إشكاليةً في هذه المفاوضات هي مطالبة إيران بالبحرين. فتاريخيًا، خضعت جزر البحرين لبعض أشكال الحكم أو الولاية الإيرانية في أوقاتٍ متفرقة، مما دفع رضا شاه لإحياء مطالبته بالجزر الآن. إلى جانب إلزام إيران لبريطانيا بقوانين للتعامل مع البضائع والأفراد القادمين من البحرين على أنهم إيرانيون، أصرّ تيمورتاش كذلك على إبقاء مسألة البحرين على طاولة المفاوضات. غير أنه هذا المطلب كان على ما يبدو مجرد ورقة مساومة عوضًا عن نية حقيقية في ضم البحرين، حيث أعرب المسؤولون الإيرانيون عن استعدادهم للتنازل عن مطالبتهم في مقابل امتيازات أخرى، مثل توفير المعدات العسكرية وتخفيف أعباء الديون.

مقتطف من رسالة بالفرنسية من رئيس وزراء إيران، محمد علي فروغي، تعرب عن استعداد إيران للتنازل عن مطالبتها بالبحرين في مقابل توفير البريطانيين لطائرة وتدريبات عسكرية وسفن حربية، ٩ أغسطس ١٩٣٠. IOR/L/PS/10/1253، ص. ٤٥ظ
مقتطف من رسالة بالفرنسية من رئيس وزراء إيران، محمد علي فروغي، تعرب عن استعداد إيران للتنازل عن مطالبتها بالبحرين في مقابل توفير البريطانيين لطائرة وتدريبات عسكرية وسفن حربية، ٩ أغسطس ١٩٣٠. IOR/L/PS/10/1253، ص. ٤٥ظ

انهارت المفاوضات مع خسارة تيمورتاش لمكانته سنة ١٩٣٢. كان البريطانيون بحلول ذلك الوقت قد قرروا التخلي عن قواعدهم في باسعيدو وجزيرة هنجام، بالإضافة للمسار الجوي إلى آسيا عبر ساحل إيران المطل على الخليج. إلا أن المسائل الأكثر تعقيدًا كالبحرين وجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ظلت عالقة، الأمر الذي أدى لإرباك السياسات في الخليج لعقودٍ قادمة.

في الوقت ذاته، ظلت صناعة النفط، المتمحورة حول ساحل الخليج، في أيدي البريطانيين. فعلى الرغم من كسب رضا شاه بعض التغييرات الصغيرة في امتيازات النفط سنة ١٩٣٢، لم تحصل إيران قط على حصةٍ عادلة من أرباح مصافي شركة النفط الأنجلو-فارسية في عبادان. وانعكس هذا الإجحاف على مدى قدرة رضا شاه في تحدي بريطانيا.

السقوط

أدت الانتهاكات البريطانية في إيران إلى سقوط رضا شاه في نهاية المطاف. ففي سنة ١٩٤١، قامت بريطانيا والاتحاد السوفيتي بغزو إيران واحتلالها بهدف فتح خط إمدادات نحو روسيا. شنت بريطانيا هجومها من الخليج، ودمرت في طريقها الأسطول البحري الإيراني المبني في إيطاليا. على الرغم من كل الجهود التي بذلها رضا شاه، وقعت إيران مجددًا في قبضة القوى الخارجية. حتى أن رضا شاه نفسه أُجبر على التخلي عن العرش في ظل علاقاته بدول المحور، ونُفي إلى جنوب أفريقيا حيث توفي سنة ١٩٤٤.

مقتطف من برقية من نائب الملك في الهند إلى وزير الدولة لشؤون الهند، يناقش فيها مستقبل رضا شاه عقب احتلال بريطانيا لإيران خلال الحرب العالمية الثانية، ١٦ سبتمبر ١٩٤١. IOR/L/PS/12/3518، ص. ١٧٥و
مقتطف من برقية من نائب الملك في الهند إلى وزير الدولة لشؤون الهند، يناقش فيها مستقبل رضا شاه عقب احتلال بريطانيا لإيران خلال الحرب العالمية الثانية، ١٦ سبتمبر ١٩٤١. IOR/L/PS/12/3518، ص. ١٧٥و

على أن إرث رضا شاه مازال مستمرًا. فقد وضعت حكومته الخطوط العريضة، بما فيها التصدعات، التي مكنت إيران من البروز كقوة مهمة في منطقة الخليج الحديثة. وعلى نطاق الحكام والأنظمة والتحالفات السياسية، ما تزال مطالبة رضا شاه بدورٍ فاعلٍ لإيران في الخليج باقية اليوم.