دليل اطّلاع: المصادر المتعلقة بفلسطين

فلسطين قبل القرن العشرين

إن أقدم مصدر عن فلسطين متوفر حاليًا في مكتبة قطر الرقمية هو ترجمةٌ إنجليزيةٌ من القرن التاسع عشر لكتاب ابن حوقل "صورة الأرض" (٩٧٧م). يضم هذا الكتاب بين طيّاته وصفًا للحياة الريفية والحضرية في فلسطين العربية في القرن العاشر، مما يثبت وجود مجتمعٍ مزدهر، وهو ما ينكره محتلوها بشكلٍ متكرر. يذكر الكتاب على وجه التحديد الرملة وبيت المقدس (القدس) وبيت لحم والمسجد الإبراهيمي [في الخليل] ونابلس وغزة باعتبارها "المدن الرئيسية" في فلسطين.

تظهر إشاراتٌ قديمة أخرى في بعض المصادر عن فلسطين تحت الحكم العثماني وعن حملة نابليون بونابرت في بلاد الشام المنطقة الجغرافية المحيطة بشرق البحر الأبيض المتوسط. . دفعت كلٌ من هذه الحملة ومحاولة بونابرت الفاشلة في غزو الهند إلى تعزيز سياسة التدخل البريطانية في غرب آسيا. وبسبب احتلالها المتزعزع للهند طوال القرن التاسع عشر، تدخلت السلطات البريطانية بشكل متزايد في البلدان التي تعتبر ذات أهميةٍ استراتيجيةٍ لردع القوى المنافسة وإبعادها عن مصالحها.

الحرب العالمية الأولى

خلال الحرب العالمية الأولى، مارست كلٌ من بريطانيا وفرنسا إلى أقصى درجة ما اعتبرتاه بأنانيةٍ حقهما في تقرير مصائر الدول الأخرى. فبعد الحملة العسكرية ضد الدولة العثمانية في بلاد الشام المنطقة الجغرافية المحيطة بشرق البحر الأبيض المتوسط. سنة ١٩١٧، أُخضِعت فلسطين للمنظومة الاستعمارية البريطانية بدخولها تحت الانتداب؛ فبعد احتلالها عسكريًا، أصبحت فلسطين تحت حكم إدارةٍ مدنيةٍ بريطانية تأسست سنة ١٩٢٠ واعتمدتها عصبة الأمم سنة ١٩٢٢. تقدم التقارير العسكرية في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. لمحات عن الأوضاع والآراء في فلسطين وقت الاحتلال البريطاني، واصفةً الظروف الاقتصادية، وعجز التموين، والمحاولات البريطانية الأولى لتأسيس إدارة.

كما توثق السجلات الدبلوماسية التي تعود لهذه الفترة (لا سيما أوراق كرزون: Mss Eur F111 وMss Eur F112) التفكيك اللاحق للدولة العثمانية، وإعادة تشكيل منطقة غرب آسيا بما يتلاءم مع المصالح الإمبريالية البريطانية. تسجل هذه الملفات مناقشات مستفيضة حول الحدود ومناطق النفوذ، بالإضافة إلى مناقشات حول خطوط الأنابيب والسكك الحديدية والمسارات الجوية والقواعد البحرية. يتجلى عدم اكتراث المسؤولين البريطانيين بالفلسطينيين بشكلٍ صارخٍ في مذكرةٍ لوزارة الخارجية تناقش مستقبل فلسطين، بينما تحرم الفلسطينيين صراحةً من حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم.

ثلاثينيات القرن العشرين: الثورة الكبرى

تعود أغلب المواد المتعلقة بفلسطين في مكتبة قطر الرقمية إلى ثلاثينيات القرن العشرين. ومع اشتداد سياسات الاستعمار والطرد والتشريد، تصاعدت كذلك حدة المقاومة الفلسطينية. توثق السجلات البريطانية المؤرخة في هذه الفترة الخيارات التي نوقشت بشأن مستقبل فلسطين وتحتوي على خرائط توضح مقترحات مختلفة للتقسيم.

ويعد أهم حدث وقع خلال هذه السنوات هو اندلاع الثورة العربية الكبرى في ١٩٣٦-١٩٣٩. تشير السجلات البريطانية من تلك الفترة إلى تهريب الأسلحة على "نطاق واسع" إلى فلسطين عبر العقبة (IOR/L/PS/12/4094، ص. ١٠و). وفي إشارةٍ لمصدرِ آخر، تحتوي مكتبة الإدارة العسكرية التابعة لمكتب الهند على تقرير يضم خرائط وصورًا فوتوغرافية للثورة.

يُستهل هذا التقرير بتعميماتٍ عنصريةٍ عن الفلسطينيين و"[أشكال] القتال العربية التقليدية" (IOR/L/MIL/17/16/16، ص. ٨ظ). وهدفه المعلن هو تقديم "الدروس" المستفادة في مكافحة التمرد من القمع الهائل والعنيف للفلسطينيين، من أجل "المساهمة في تقصير مدة العمليات المماثلة وفي إنقاذ حياة [البريطانيين] وتوفير جهودهم في مناسبات أخرى" (ص.٨و). ربما تكون هذه هي الوثيقة التأسيسية لما يسمى بـ"الانتشار بالطرد المركزي" لنظرية مكافحة التمرد من فلسطين، حيث يتم تصدير "الدروس" المستفادة من اضطهاد الفلسطينيين إلى الجهات الممارسة للقمع حول العالم، وهي ظاهرةٌ مستمرة حتى يومنا هذا.

حرب المعلومات

ومن بين المحاور الرئيسية التي تدور حولها المصادر، تَبرُز حرب المعلومات بشكلٍ متكرر منذ عشرينيات القرن العشرين. فهناك مواد بروباجاندا وزعتها السلطات البريطانية في الهند والخليج لتفرض روايةً محددةً للشأن الفلسطيني، بما في ذلك محتوى يتناول ثورة البراق سنة ١٩٢٩، وبروباجاندا باللغة العربية عن خطط التقسيم. وفي مصدرٍ آخر، يوجد وصف مفصل كتبه "مسؤول الإعلام" في فلسطين لأنشطة البروباجاندا البريطانية في البلاد خلال الحرب العالمية الثانية.

تكشف ملفاتٌ أخرى أن السلطات البريطانية راقبت بقلق البروباجاندا باللغة العربية التي أنتجتها كلٌ من إيطاليا الفاشية وألمانيا النازية. وتتعلق ملفاتٌ أخرى بما سُميّ "البروباجاندا المناهضة لبريطانيا" المتداولة في الصحف العربية ومحاولات منعها من الوصول إلى الخليج. كما تحتوي هذه الملفات على نماذج من الصحافة الفلسطينية، لا سيما من صحيفة "فلسطين" التي اتخذت من يافا مقرًا لها، والتي كانت تعلق على الأحداث في الخليج، وعلى الصحافة العربية المناهضة للاستعمار في دولٍ أخرى؛ فحتى في ثلاثينيات القرن العشرين، كان يتم ربط ما يجري في فلسطين بالنضالات الأخرى.

الرأي العام في الخليج

يتمثل محورٌ ثانٍ في موقف حكام الخليج وشعوبه من قضية فلسطين، مع تركيز السجلات الاستعمارية البريطانية على الحكام. ففي سنة ١٩٣٩، ناشد وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية ابن سعود أن يستخدم "نفوذه الكبير في العالم العربي" من أجل اصطناع قبول السياسة البريطانية في فلسطين (IOR/R/15/2/165، ص. ٢٠١ظ). كما كانت هناك مناشدات موازية من جهاتٍ فلسطينية تطلب الدعم من حكام الخليج، وإن لم تلق تلك المناشدات استجابةً كبيرة. في عام ١٩٣٧، أدرك المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ ت. ك. فاول أن حكام الخليج كانوا معتمدين عسكريًا وماليًا على بريطانيا بدرجةٍ لا تسمح لهم بمعارضة سياستها في فلسطين بجدية.

تتضح أيضًا أمثلةٌ مبكرةٌ للتضامن بين فلسطين وشعوب الخليج. على سبيل المثال، كانت هناك جهود لجمع التبرعات في البحرين والإمارات المتصالحة لصالح ضحايا الثورة الفلسطينية. وقد حاولت السلطات البريطانية منع هذه الأموال من الوصول إلى المقاومة وإعطائها بدلاً من ذلك للسلطات الفلسطينية الموالية لها. في نفس الفترة، قام إسماعيل الرصاصي، وهو فلسطيني يعمل في حكومة مسقط وأصبح فيما بعد حاكم مطرح، بتشكيل "خلية" في مسقط لمعارضة السياسة البريطانية في فلسطين (IOR/R/15/6/379، ٨٨و). وبعدها في سنة ١٩٤١، وصف الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البحرين مجموعة من طلاب المدارس الكويتيين الذين ضايقوا بعض البريطانيين أثناء زيارتهم للبحرين بغنائهم أغنيةً "استفزازية" دعمًا للفلسطينيين (IOR/R/15/2/588، ص. ١٥و).

الشتات الفلسطيني في الخليج

بعد نكبة سنة ١٩٤٨، التي دفع فيها عنف الجماعات الصهيونية المسلحة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى النزوح من ديارهم، يظهر محورٌ ثالث في السجلات، ألا وهو اللاجئون وبدايات الشتات الفلسطيني في الخليج. على سبيل المثال، اشتكى الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني في الكويت سنة ١٩٤٩ من "تقاطُر" الفلسطينيين إلى البلاد بجوازات سفر من الانتداب أو دون أي وثائق هوية على الإطلاق. كان بعض هؤلاء اللاجئين يعملون لدى شركة نفط الكويت، وخشي الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية أن يكون تأثيرهم "موجهًا بشكلٍ متزايد ضد" دور بريطانيا في البلاد (IOR/R/15/5/319، ص. ٢٢و). تُظهر سجلاتٌ أخرى من نفس الفترة (من IOR/R/15/6/380 إلى IOR/R/15/6/382) محاولات السلطات البريطانية العثور على عمل للاجئين والطلاب الفلسطينيين في مسقط، معظمهم كمعلمين، ولكن أيضًا كأطباء ومزارعين. كما يرد ذكر مقترحٍ لم يدم لإعادة توطين المزارعين الفلسطينيين في ظفار المستعمرة داخليًا. وتقدم هذه الوثائق أمثلة مبكرة على مساهمة الفلسطينيين الكبيرة في التنمية الحديثة لدول الخليج.

خاتمة: أصواتٌ فلسطينية

إن السجلات في هذا الأرشيف الاستعماري ليست محايدة، فمعظم هذه المصادر كتبها مسؤولون بريطانيون، وعادةً ما كان اهتمامهم بالفلسطينيين لا يتعدى إسكاتهم. لكن في بعض الأحيان، تخترق الأصوات الفلسطينية هذا الانحياز عبر شرح تجاربهم، ومناشدة الدعم، ونقل آمالهم في مستقبلٍ آمنٍ ومزدهر. في هذه المصادر الأخيرة، يروي الفلسطينيون تاريخهم المستقل بأنفسهم.