عرض عام
تتوافق الساعات الشمسية الأندلسية الموجودة حاليًا مع النوع الأفقي (أي أن المنحنيات التي يرسمها الظل الشمسي في أوقات انقلاب الشمس في الشتاء والصيف تتخذ شكل أقواس قطع زائد، في حين يتبع الظل في اعتدالات الربيع والخريف خطًا مستقيمًا). تحتوي هذه الأدوات كذلك على منحنيات تتوافق مع وقت صلاتي الظهر والعصر. وتصف المصادر المكتوبة أيضًا المزولة ساعة شمسية الاستوائية، التي فُسّرت عن طريق الخطأ كمزولة أفقية. ليس لدينا سوى القليل من المعلومات عن الأدوات التي تعود إلى العصور الوسطى التي كانت موجودة في المغرب، إلا أننا على دراية بتراث مهم من الأدوات من هذا النوع في تونس من القرن السابع وما بعده. في هذا السياق، من المثير للدهشة إلى حد ما اكتشاف وصف ناضج جدًا ورائع لثمانية أنواع من الساعات الشمسية في عمل ابن الرقّام.
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن علي بن أحمد (محمد؟) بن يوسف الأندلسي التونسي العوسي، المعروف أيضًا باسم ابن الرقّام، "من أهل مرسية"، وتوفي عن سن متقدمة في غرناطة في ٢١ صفر ٧١٥ هجريًا الموافق ٢٦ مايو ١٣١٥ ميلاديًا. عاش في تونس وبجاية وهاجر من بجاية إلى غرناطة في عصر السلطان النصري محمد الثاني (حكم في ٦٧١/١٢٧٣-٧٠١/١٣٠٢)، غالبًا في تاريخ بعد ٦٧٨/١٢٨٨-٨٩. وقد كان رجلًا موسوعيًا كتب في العديد من الموضوعات المختلفة، إلا أن أكثر أعماله أهمية تتناول علم الفلك. ونجد بينها مجموعاته الثلاثة الخاصة بالجداول الفلكية (زيج)، التي تم جمعها في بجاية وتونس، وهي إعادة صياغة لزيج ابن إسحاق (عاش في تونس ومراكش في حوالي ١١٩٣-١٢٢٢). كما كتب أيضًا بحثًا عن الساعات الشمسية، رسالة في علم الظلال، وهو علم يُعرف كذلك باسم المَزْوليات.
رسالة في علم الظلال
وفقًا لابن الرقّام، فقد خطرت بباله طريقة بسيطة لإسقاط الأجسام الكروية، وكتب كتابه في هذا الموضوع حين كان لا يزال شابًا. ولكن شخص ما اقترض مخطوطته ولم يعيدها أبدًا. فيما بعد، طلب منه بعض العلماء الآخرين من "إفريقية" إعادة كتابة الكتاب. ويشير كل هذا إلى أن الكتاب الحالي قد كُتِب في النصف الثاني من القرن الثالث عشر، ربما في تونس أو بجاية.
كانت تقنية ابن الرقّام الخاصة بإسقاط الجسم الكروي تختلف عن تلك التي اخترعها بطليموس (ربما وُصف الإسقاط الستريوغرافي المستخدم في الأسطرلابات والأدوات المشابهة للمرة الأولى في خارطة نصف الكرة الأرضية لبطلميوس). ومن المثير للدهشة أن إجراء ابن الرقّام يتوافق مع الأنالمة، وهي تقنية يونانية قديمة لتمثيل بعض عناصر الجسم الكروي على مستوٍ لإيجاد أقواس وزوايا معينة تحدد نقطة في الفضاء، مع تجنب استخدام حساب المثلثات. لم يستطع ابن الرقّام معرفة بحث بطليموس في هذا الموضوع، الأنالمة، لأنه لم يترجم إلى العربية. وعلى الرغم من أن علماء العرب قد قاموا باستخدام تقنيات أنالمتية لأغراض مختلفة، ولكن ليس على الأغلب لإنشاء الساعات الشمسية، ويبدو أن ابن الرقّام هو الأول في استخدام هذه التقنية في الأندلس أو المغرب.
في كتابه رسالة في علم الظلال، يصف ابن الرقّام ثمانية أنواع مختلفة من الساعات الشمسية. من بينها نجد الساعة الشمسية البسيطة والساعة الشمسية القائمة (في الأخيرة يكون السطح موازيًا للدائرة العمودية التي تمر عبر نقطتي الشرق والغرب للأفق، ويوضع عقرب المزولة ساعة شمسية في خط الطول)، والساعة الشمسية الاستوائية (يوازي سطحها خط الاستواء ويشير عقرب المزولة ساعة شمسية العمودي إلى القطب الشمالي)، والساعة الشمسية الوعائية (وتكون هنا الساعة الشمسية مرسومة على السطح الداخلي لوعاء نصف كروي وتكون قاعدة عقرب المزولة ساعة شمسية عند قطب الكرة وطرفه في مركز الكرة)، وأخيرًا الساعة الشمسية المحمولة المزودة بإبرة مغناطيسية تسمح بالتوجيه الصحيح. وهذه، في الحقيقة، واحدة من أولى المراجع الصحيحة للبوصلة المغناطيسية في العالم الإسلامي الغربي.
وإلى جانب ذلك، طرح ابن الرقّام مسألة تحويل الأقطاع الشمسية: كيف يمكن تحويل ساعة شمسية صُممّت لخط عرض محدد إلى ساعة شمسية من نوع مختلف لخط العرض نفسه؟ وشرح أيضًا عملية رسم خطوط أخرى على الساعة الشمسية (إسقاطات متوازيات الانحراف المتوافقى مع الأبراج الفلكية أو المدارات الأخرى) مما سمح للأداة بتنفيذ عمليات كانت تقوم بها الأسطرلابات وأجهزة الحساب المشابهة. باتباع التقليد المعتاد، شرح ابن الرقّام بالتفصيل كيفية رسم المنحنيات المتوافقة مع مواقيت الصلاة كما تعامل مع سمت القبلة حيث استخدم أنالمة مشابهة لتلك التي وصفها حبش الحاسب في القرن التاسع والبيروني في القرن الحادي عشر في كتابه <القانون المسعودي>.
الخاتمة
اهتم علماء الفلك دائمًا بصناعة الساعات الشمسية، ليس فقط لاستخدامها في الحياة اليومية، ولكن أيضًا بغرض التحديد الدقيق لمواقيت الصلاة. وظهر تقليد علمي مهم درس تقنيات صنع مثل هذه الأدوات في الشرق منذ أوائل القرن التاسع، ولكن لم يكن هناك أي تطورات مشابهة في المغرب حتى ظهور كتاب ابن الرقّام الذي كُتب في النصف الأخير من القرن الثالث عشر، خلال فترة طالما اعتُبرَت تاريخيًا فترة ركود.