عرض عام
يصعُب تخيل أي مورد طبيعي يضاهي أهمية النفط في تاريخ تنمية دول الخليج. غير أنه في الأيام الأولى لاستكشاف النفط، لم يكن هناك ما يفوق أهمية الماء.
تعد أهمية النفط بالنسبة للدول العربية بمنطقة الخليج أمرًا راسخًا لا يحتاج إلى التذكير؛ حيث شهدت دول المنطقة تحولاً مستمرًا وجذريًا منذ بدء أولى صادرات النفط في منتصف القرن العشرين. بينما نالت أهمية المياه اهتمامًا أقل لدى سكان الخليج.
ومن ناحية، ليس من الضروري الإشارة إلى الأهمية الخالدة للماء بالنسبة للشرب والطهيّ والتنظيف والغسل، بالإضافة إلى الإنتاج الزراعي وتغذية الماشية. ولكن من الناحية الأخرى، اقتضى التوسع العمراني السريع لمدن الساحل العربي منذ أوائل خمسينيات القرن العشرين وحتى الآن - بالتماشي مع نموّ صناعة النفط - توفير المزيد من المياه بقدر يفوق قدرة الموارد الطبيعية الشحيحة بالمنطقة على إمداده.
مصادر المياه الجوفية وآبار المياه المالحة
ومن الناحية التاريخية، كانت قبائل البدو التي سكنت داخل البلاد وسكان الساحل بشبه الجزيرة العربية يحصلون على المياه من مصادر المياه الجوفية. وفقاً للمستكشف البريطاني ويلفريد ثيسيجر، أحد أوائل الأوروبيين الذين عبروا "الربع الخالي" بشبه الجزيرة العربية، تم تحديد طرق التجارة في الصحراء من خلال مواقع آبار المياه والمسافات الفاصلة بينها. ولا يوجد ما هو أكثر إحباطًا من الوصول إلى حافة بئر في نهاية يوم سفر طويل وشاقّ كي تجد أن الماء سيء النوعية إلى درجة أنه غير صالح للشرب.
ويوجد بئر واحد في غالبية القرى الساحلية بينما تحظى أي بلدة كبيرة الحجم بعدة آبار. وعادةً ما تُقاس جودة المياه بدرجة ملوحتها أو عدم نقائها، التي تتفاوت من بئر لآخر. وفي المستعمرات الأكبر حجمًا، يتأثر موضع وجودة الآبار بأنماط النمو الحضري والتوزيع الاجتماعي للسكان.
مصادر المياه في البحرين
وفي حالة المنامة، المدينة الرئيسية بالبحرين، أشار دليل لوريمر إلى أن "الطبقات العليا في المنامة تشتري مياه الشرب من رعاة الإبل القادمين من "الرفاع الشرقي" و"الرفاع الغربي" الذين يجلبون المياه ليبيعونها من عين الحنينية وعين أم غويفة بالقرى التي يقطنوها".
وفي الوقت ذاته، "كانت المياه التي يستخدمها السكان الفقراء" يتحصّلون عليها من بئرين من آبار المياه المالحة، يقع أحدها "على بعد ميل واحد غرب قلعة المدينة ويمتلئ بفائض مياه عدة ينابيع، بينما يستقر البئر الآخر في الصخور المرجانية الواقعة بين الوكالة إما (١) مركز تجاري تابع لشركة الهند الشرقية؛ أو (٢) مكتب تابع لشركة الهند الشرقية ولاحقًا للراج البريطاني. السياسية بالبحرين والإرسالية الأمريكية". واعتُبرت جودة المياه الخاصة بذلك البئر الأخير متواضعة بالنسبة للوكالة البريطانية، وهو ما أدّى إلى استيرادهم لمياه الشرب من بومباي عبر السفن البخارية.
آبار المياه العميقة
وفي ١٩٢٤، بدأت النقابة الشرقية والعامة المحدودة في لندن تحت إشراف الرائد فرانك هولمز حفر بئرين في البحرين، يقع أحدهما في المنامة بينما يقع الآخر في جزيرة المحرق. وقد أبلغ عالم الجيولوجيا الخاص بالمشروع، السيد مادجويك، عن العثور على مياه عالية الجودة على عمق مئتيّ قدم في المنامة. ثم تلا ذلك بوقتٍ قصير تركيب منصّة إسمنتية وخزان مياه قادر على حمل ثلاثين طنًا من المياه بالبئر.
ولاحظ الرائد كلايف دالي الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية البريطاني بالبحرين استنزاف المياه من الخزان في مدة تتراوح من ثلاث إلى أربع ساعات كل صباح. وكان المستفيدون الرئيسيون بشكلٍ مباشر من البئرين الجديدين هم سكان الضواحي السكنية الجديدة بحدائق المنامة، إلى جانب سكان المناطق الحضرية على نطاقٍ واسع. وكلّفت حكومة البحرين هولمز بحفر اثنى عشر بئرًا إضافيًا حول المنامة، تم الانتهاء منها جميعًا في الفترة ما بين سنتيّ ١٩٢٥ و١٩٢٧. كما كانت الآبار الجديدة ذات منفعة عظيمة لصناعة التمر بالبحرين.
"المياه هي درّة تاج ثروة البحرين!"
أشار هولمز، الذي كان متواجدًا بالبحرين للتفاوض حول امتيازات النفط مع الحكومة البحرينية نيابةً عن الشركات الأمريكية، إلى دالي بأن "ثروة البحرين تكمن في المياه!"
ربما بدا تعليق هولمز غريبًا نوعًا ما، لكن بغض النظر عن أهمية المياه بالنسبة للأنشطة المحلية والزراعية، فإن المياه تحمل أهمية كبرى بالنسبة لصناعة النفط؛ إذ كانت ضرورية للغاية عند التنقيب للمساعدة في تنظيف منطقة التنقيب من الركام وتبريد جهاز الحفر. كما كانت ضرورية أثناء عمليات الاستخراج لأن عملية حقن المياه داخل مستودعات النفط تزيد الضغط وتحسن الإنتاج، كما تم استخدام المياه في عمليات التقطير.
وكان على شركات النفط في الخليج الحفر أولاً بحثًا عن المياه ثم إنشاء مرافق إمداد بالمياه قبل البدء في التنقيب بشكلٍ جديّ عن النفط. وقد ساعد تشييد بنية تحتية لإمدادات المياه للأغراض الصناعية في إدرار العائدات على شركات النفط، والذي مكّن بدوره دول الخليج من الاستثمار في إنشاء مرافق مياه أكبر حجمًا وعالية الجودة لتأمين احتياجات سكانها المحليين.
بعد مرور حوالي مائة عام على حفر فرانك هولمز لآبار المياه في البحرين، التساؤل بشأن كيفية تلبية الطلب المتزايد لدول الخليج العربي على المياه مازال يمثل تحديًا كبيرًا. لكن بينما بحث هولمز عن الحل أسفل الأرض، يوجّه العلماء الحاليون اهتمامهم نحو الخليج ذاته حيث تجري أعمال تحلية مياه البحر بالخليج على نطاقٍ واسع.