عرض عام
في ٢٦ يونيو ١٧٧٨، وصلت تقارير من حلب إلى البصرة تفيد بأن سفراء فرنسا وبريطانيا قد تلقوا تعليمات بمغادرة مواقعهم وأن الحرب على الأبواب.
لشهدت أواخر ثمانينيات القرن الثامن عشر احتدام المنافسة بين بريطانيا وفرنسا، إلا أن ما أشعل فتيل الحرب بينهما كان التوقيع على معاهدة تحالف بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية في فبراير ١٧٧٨.
بعد أن أعلنت بريطانيا الحرب، استطاعت فرنسا أن تقنع حليفتها أسبانيا بدخول الحرب ضد بريطانيا. وقد تجسدت هذه المنافسة الإمبريالية الأنجلو-فرنسية على الساحة العالمية، حيث طالت القارة الأمريكية والهند، ولم تنفد منها منطقة الخليج. وبذلك وجدت شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا الإنجليزية نفسها طرفًا في هذه المواجهة العالمية، وبدأت تجمع المعلومات الاستخباراتية عن حركة السفن الفرنسية على طول ممر الخليج المائي ذي الأهمية الاستراتيجية.
حماية الاتصالات الاستراتيجية
بات التأكد من موقع السفن الفرنسية ذا أهمية قصوى. وفي أغسطس ١٧٨١، كتب ويليام ديجز لاتوش، الوكيل السياسي مبعوث مدني رسمي من الامبراطورية البريطانية في البصرة، إلى إدوارد جالي، المقيم البريطاني في بوشهر. لم يكن ديجز لاتوش يرغب في السماح للسفن بمغادرة البصرة حتى تشق السفن الفرنسية طريقها إلى خارج الخليج، أو تدخل السفن الإنجليزية الخليج من بومباي لحماية حركة الشخصيات والطرود المهمة.
"منذ الاستلام [للرسائل] ليست لدي أية معلومات مؤكدة عن السفن الحربية الفرنسية - بعض التقارير تشير إلى تواجدها عند [جزيرة] خارج منذ بضعة أيام، وكانوا يبحثون عن مرشد يأخذهم إلى البصرة، بينما تشير تقارير أخرى إلى أنهم قد عادوا في اتجاه الجنوب [...] وأود أن أعبر عن امتناني للمعلومات الاستخباراتية المبكرة التي منحتموني إياها بشأنهم – سفينة ميركوري لا تزال هنا ولن تبحر بالسيد سوليفان الذي وصل في الخامس من الشهر الجاري من القسطنطينية حتى أتأكد من أن السفن الفرنسية قد غادرت الخليج، أو أن السفن المتوقع وصولها من بومباي قد دخلت الخليج بالفعل."
كان ديجز لاتوش يشعر بعدم الارتياح إزاء السماح لسفينة ميركوري بالإبحار مع شخصية مهمة مثل جون سوليفان على متنها مع وجود السفن الحربية الفرنسية في الخليج وقبل وصول الدعم البريطاني من البنغال. كان سوليفان في طريقه لاستلام منصبه الجديد كمقيم في بلاط تانجور بالهند، حيث كان سيتولى المسؤولية عن الأقاليم الجنوبية التابعة لرئاسة مدراس. ولا شك أن إلقاء القبض عليه كان سيمثل غنيمة مهمة للفرنسيين. حرِص البريطانيون في ذلك الوقت على اعتراض طريق الرسل الفرنسيين للحصول على معلومات استخباراتية عن خطط وتحركات العدو، وبالمثل كان الفرنسيون يعترضون البريطانيين كلما سنحت لهم الفرصة.
مراقبة الفرنسيين
في ذلك السياق، تولى روجر أورفورد، الجاسوس التابع لشركة الهند الشرقية، في أغسطس من سنة ١٧٨١ مهمة مراقبة السفن الفرنسية المبحرة في الخليج. وقد أبلغ ديجز لاتوش بما يلي:
"سيدي، كتبت إليك في الخامس من الشهر الجاري لإبلاغك أنني رصدت السفن الفرنسية في كنغان، حيث كانت تتزود بالماء، وقد رصدتها الآن بالقرب من [جزيرة] خارج ومن المؤكد أنها في طريقها للخروج من الخليج غدًا إذا كانت الرياح مواتية، علمًا بأنني أراقبها منذ ١١ يومًا..."
كان لأورفورد عيون وآذان على السفينة:
"هناك جاسوسان ممتازان يعملان لحسابي على القارب، ويتوجهان إلى كنغان ويزودانني بالمعلومات الاستخباراتية متى شئت، وهما الآن في طريقهما إلى هناك – لقد قامت السفينة للتو بإطلاق مدفعها وفرد أشرعتها. وأعتقد أنهم يقومون برفع المرساة الآن."
في بعض الأحيان كان أورفورد يكتب تقاريره في ظروف صعبة: "تهب الآن رياح عاصفة من الشرق ونحن مجبرون على الابتعاد عن موقعنا - إنني أواجه صعوبة بالغة في الكتابة مع هذه الأمواج العاتية، لكن أرجو أن تتمكن من قراءة هذه الرسالة". لا يسعنا سوى أن نخمن كيف كان أورفورد يتبادل المراسلات مع جواسيسه على متن السفينة وما إذا كان يمكنه الوثوق بهم، لكن من الواضح أن ديجز لاتوش كان يعتبرهم مصدرًا قيمًا للمعلومات.
تشير المراسلات المتبادلة بين أورفورد وديجز لاتوش إلى الصعوبات العملية المرتبطة بالمراقبة المستمرة لتحركات المنافسين للحصول على المعلومات الاستخباراتية، وكذلك إلى ضرورة تأمين هذا المسار الاستراتيجي للاتصال والمرور الآمن للشخصيات والطرود المهمة. إضافةً إلى ذلك فهي توضح كيف كان الخليج في ثمانينيات القرن الثامن عشر جزءًا لا يتجزأ من الصراع العالمي بين قوتين أوروبيتين عظميين.