عرض عام
توفى كريم خان زند حاكم بلاد فارس ورأس سلالة زند في ١٧٧٩ لأسباب طبيعية، بعد أن حكم البلاد ثلاثين عامًا، دون تسمية ، خليفة مما أحدث فراغًا خطيرًا في السلطة.
وقد ظهر عدد من المتنافسين من داخل عائلته، وكان أبرز المرشحين في البداية أخو كريم خان غير الشقيق زكي خان زند وأخوه صادق خان زند.
زكي خان وصادق خان
عُرِف زكي خان بقوته وقسوته في القتال، الأمر الذي تجلى في قمعه الوحشي للقاجاريين شمال بلاد فارس في ١٧٦٣-١٧٦٤ عندما كان لواءً في جيش كريم خان، حتى أنه حاول تشكيل إقطاعية خاصة له وسط وجنوب إيران. ورغم أنه كان على رأس فريقٍ يدعي دعم تولية أحد أبناء كريم خان القُصر - محمد علي خان زند (المتزوج من ابنة زكي خان) - إلا أن نواياه في الاستيلاء على الحكم كانت واضحة.
كان صادق خان كذلك عضوًا بارزًا في النخبة الحاكمة لسلالة زند، وقد قاد الهجوم الفارسي على البصرة - الواقعة تحت سيطرة العثمانيين آنذاك - في ١٧٧٥-١٧٧٦. كان صادق خان ينتمي لفريقٍ مضاد لزكي خان، حيث كان يدعم ابنًا آخر من أبناء كريم خان القصَّر لخلافة أبيه، ألا وهو أبو الفتح خان زند.
لم يكن أيٌ من الخصمين يفتقر للخبرة العسكرية ولا للأتباع المسلحين، وسرعان ما احتد التوتر بينهما حتى لاحت بوادر نشوب مواجهة كبرى بين قواتهما.
وكما يشير جون بومونت المقيم السياسي الممثل الرئيسي للمقيمية البريطانية في الخليج وهي الذراع الرسمي للامبراطورية البريطانية من ١٧٦٣ إلى ١٩٧١ لشركة الهند الشرقية في بوشهر في خطاب بتاريخ ١١ مايو ١٧٧٩، ما كان لهذا التوتر أن ينتهي "إلا بموت أحدهما".
وصول نبأ وفاة زكي خان إلى البريطانيين
وسرعان ما ثبتت صحة ملاحظة بومونت بورود أنباء من شيراز عن مقتل زكي خان على يد رجاله. ففي خطاب بتاريخ ٢٣ يونيو ١٧٧٩ يصف بومونت هذا الحدث لويليام هورنبي حاكم مجلس شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا في بومباي، قائلًا إن "رحمة الرب قد خلصت بلاد فارس من هذا الوحش الغاشم". ويسرد الخطاب بتفاصيل مروعة أن زكي خان كان مارًا بقرية مع جيشه عندما أمر بذبح سكانها، مما أثار حفيظة ضباطه (إضافة لخوفهم على حياتهم) فتآمروا عليه وقتلوه.
ويمضي خطاب بومونت في وصف حادثة القتل:
توجه [المتآمرون] إلى خيمة زكي خان بينما كان يصلي، عندما فسألهم ما خطبهم أجابوه بجرأة أنهم قد جاؤوا لقبض روحه. عندها جذب إليه بندقيتة التي لم تكن تفارقه والتي كانت محشوة على الدوام بخمس أو ست طلقات، ولكن قبل أن يتمكن من استخدامها باغته جعفر خان فبتر ذراعه الأيمن. لم تكن هذه طريقة لائقة لاستخدام السيف في نظر نصر الله ميرزا، فما كان منه إلا أن استل سيفه وانهال على زكي خان من المنتصف فقسمه نصفين.
ثم قام رجال زكي خان بفصل رأسه عن جسده وأرسلوه على الفور إلى صادق خان قبل أن يحرقوا جثته. ويختتم بومونت خطابه قائلًا إنه "بمجرد عودة صادق خان إلى شيراز لا شك في أن السلام سوف يعم مجددًا في أنحاء بلاد فارس وتعود الأمور بهدوء إلى سابق عهدها".
آمال بومونت في استعادة الاستقرار
ازداد نفوذ صادق خان بوفاة غريمه زكي خان. ففي خطاب بتاريخ ٢٠ نوفمبر ١٧٧٩، يذكر بومونت إن "صادق خان محتفظٌ بسيطرته على شيراز ويبدو حاليًا أنه قد أحكم قبضته في السلطة".
كان بومونت متلهفًا لعودة الاستقرار السياسي في البلاد حتى يتسنى لشركة الهند الشرقية استئناف نشاطها في تجارة الحرير والصوف، إلا أن خيبة الأمل كانت في انتظاره. فقد تبين أن النهاية الوحشية التي لاقاها زكي خان لم تكن سوى الأولى في العديد من مثيلاتها.
فبدلاً من أن يؤذن مقتل زكي خان ببداية عهدٍ جديد من الهدوء تحت حكم صادق خان، كان في الواقع بداية صراعٍ دمويٍ مهلك لم تتعافَ منه سلالة زند أبدًا. فعلى الرغم من تمكن صادق خان من السلطة سنة ١٧٧٩، بلغ بومونت بعدها بعامين أن علي مراد خان الذي كان ينافس زكي خان على السلطة قد هزم الأخير هزيمة نكراء أفقدته بصره. ويذكر بومونت أن صادق خان قام "تحت تأثير اليأس الذي انتابه إثر فقدان بصره" بتسميم نفسه بالأفيون منهيًا بذلك حياته.
المزيد من الوفيات وصعود القاجاريين
حكم علي مراد خان من ١٧٨١ حتى ١٧٨٥ عندما هُزم هو الآخر ولقي حتفه على يد ابن صادق خان - جعفر خان. وخلال الثمانينات وأوائل التسعينات من القرن الثامن عشر، نمت قوة قبيلة قاجار في شمال بلاد فارس حتى باتت تهدد حكم سلالة زند.
وبحلول ١٧٩٤، كان القاجاريون قد فرضوا هيمنتهم ومُني لُطف علي خان ابن جعفر خان، آخر حاكم لبلاد فارس من سلالة زند، بهزيمة ساحقة وقُتل على يد محمد خان قاجار زعيم قبيلة قاجار، ليسجل التاريخ بداية سلالة حاكمة جديدة ستظل على عرش بلاد فارس حتى ١٩٢٥.