عرض عام
من بين المجالات الطبية التي برع فيها العرب، كانت الصيدلة مجالًا طوَّر مؤلفاته المتخصصة بالإضافة إلى أقسام في موسوعات طبية عامة. فتخصص بعض الكتب في المفردات، ألا وهي نباتات ومعادن ومنتجات حيوانية فردية مستخدمة في الطب. أما أنواع الكتب الأخرى التي تُسمى باقراباذينات – أيْ كتب تحتوي على وصفات لتحضير الأدوية – فهي سجّلت وصفات المركّبات. وفي مثل هذه الوصفات تم الجمع بين عدد من المفردات في تركيبة محددة (مسحوق أو مرهم أو أقراص أو شراب مركز، وهو الأكثر شيوعًا) من أجل علاج مرض معين.
جميع عطور العرب
الكلمات الأكثر استخدامًا هي الصيدلة والعطار التي تعني في الواقع باعة خشب الصندل أو العطور، مما يدل على العلاقة الوثيقة بين المواد التي نستخدمها اليوم للعطور أو الطبخ، والطب في العصور الوسطى. إذا شعر شخص ما بالإعياء، فإن الجراحة تكون آخر ما يلجأ إليه؛ فالمحاولة الأولى للعلاج تكون من خلال تغيير النظام الغذائي، وإذا لم تنجح هذه المحاولة، فإنه يلجأ إلى الأدوية - وهنا يأتي دور اقراباذينات.
المفردات من خارج العالم العربي
كانت كتب الطب من أول الأعمال العلمية التي تُرجمت إلى اللغة العربية بين القرن الثامن والقرن العاشر الميلادي. وتعتمد الصيدلة عند العرب على التقليد اليوناني، إذ تضم أعمال جالينوس وديسقوريدس بشأن المفردات. فقائمة المفردات يمكن أن تشمل ما قد نعتبره اليوم أعشابًا وتوابل مثل الريحان والنعناع والزنجبيل والفلفل؛ لكنها تشمل كذلك عطورًا مثل زيوت المسك والبنفسج والياسمين. وعلى الرغم من الاستشهاد بأعمال ديسقوريدس بشكل كبير في مصنفات لاحقة، إلا أنه تم تأليف كتب عن أدوية غير موجودة في هذه الأعمال. فكانت هذه الأدوية عبارة عن نباتات في الغالب، ولكن أيضًا هناك بعض المعادن والمنتجات الحيوانية القادمة من الهند وجنوب شرق آسيا والصين، ولم تكن معروفة للإغريق والرومان.
يمكن ملاحظة نفس عملية الإضافة إلى المعرفة الكلاسيكية في اقراباذينات تشمل وصفات تحتوي على كلمات مستمدة من كل من اللغة اليونانية، مثل ترياق، بمعنى علاج لدغات الأفاعي في الأصل، ومن اللغة السنسكريتية، مثل إطريفال، وهو دواء متعدد الأغراض يحتوي على ثلاثة أنواع من الإهليلج، وهو نبات هندي.
كتيّبات المستشفيات وإرشادات التعليمات الذاتية
وقد أطلق على هذه الكتب لفظ اقراباذين، من graphidion (γραφίδιον) باليونانية، بمعنى قائمة أو سجل. وفي الأعمال من هذا النوع، التي يمكن أن تكون إما كتبًا مستقلة أو أقسامًا من كتب أو أعمال أكبر، يقدم المؤلف مجموعة من الوصفات المركبة للعديد من الأمراض. وعادة ما يخصص كل فصل لنوع معين من التحضيرات. ويوفّر هذا الهيكل الأساسي فرصًا كثيرة للتنوع: ففي كثير من الأحيان، يمكن وضع تحضيرات مماثلة مثل الأشربة والربوب (أيْ عصائر الفاكهة السميكة) والمربّيات معًا في فصل واحد. وإحدى الصفات المنتشرة الأخرى هي وجود فصل مخصص بمعاجين الأسنان أو طب العيون. وتأتي معظم الاقراباذينات التي نجت من بغداد أو القاهرة، وكان من المقصود أن يستُخدم الكثير منها في المستشفيات العامة. ومن اقراباذينات تستخدم التنسيق المذكور أعلاه هو اقراباذين الكبير لابن التلميذ (توفي سنة ١١٥٤ أو ١١٦٥م).
لم يلجأ الجميع إلى المستشفيات للعلاج، إذ من الممكن أن يبقى معظم الناس في بيوتهم كي يتلقون العلاج في محيط مألوف. ومن الممكن أيضًا أن يستعين الأطباء المعالجين لمثل هؤلاء المرضى بكتيب أدوية مرتب أبجديًا، مثل منهاج البيان فيما يستعمله الإنسان الذي ألفه ابن جزله البغدادي (توفي سنة ١١٠٠م). وفي هذا الكتاب، وعلى عكس اقراباذينات المستشفيات، تظهر الأدوية المركبة والمفردة معًا. على سبيل المثال، وُجد جميع مساحيق الجروح أو المساحيق الطبية (ومفردها السفوف) معًا تحت حرف السين، ويتبعها مفردة السقمونيا.
وقد كان يمكن كذلك استشارة الصيدلي المحلي، بدلاً من اللجوء إلى الطبيب مباشرة. ويوجد اقراباذين وحيد معروف أنه من تأليف صيدلي هو كتاب منهاج الدكان الذي كتبه في القاهرة الصيدلي اليهودي الكوهين العطار (توفي سنة ١٢٦٠م)، كنصيحة لابنه. ونجح هذا العمل نجاحًا عظيمًا، فيستعان به دومًا حتى يومنا هذا.
وقد تم تمازج العقاقير المتوفرة في جميع أنحاء العالم المعروف لتعزيز الأدوية القديمة وتحضير الأدوية الجديدة مما حوّل الصيدلة باللغة العربية إلى أداة قوية للغاية في محاولة الحفاظ على صحة الأصحاء واستعادة المرضى لصحتهم (مما هو غرض الدواء، وفقًا لابن سينا). ومن المعروف الآن أن العديد من هذه الوصفات تعد ناجعة في علاج الأعراض التي تهدف إلى التخلص منها، وقد ساهمت كتب العصور الوسطى هذه في تأسيس طب الأعشاب الحديث.