من بلاد فارس إلى إيران: سياسة تغيير الاسم وتأثير ذلك على امتياز التنقيب عن النفط

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

شكَّل امتياز التنقيب عن النفط الفارسي خلال الفترة من ١٩٠٠ إلى ١٩٣٣ خلفية المواجهة بين بريطانيا والمسماة حديثاً إيران.

في سنة ١٩٠٠، عرض المسؤولون الفُرس على ويليام نوكس دارسي، وهو رجل إنجليزي، فرصة الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في بلاد فارس. ويعد امتياز التنقيب عن النفط الممنوح  لدارسي هذا الأول من نوعه  في منطقة الخليج، وأعطاه "امتيازاً خاصاً وإستثنائياً للبحث عن الغاز الطبيعي والنفط والأسفلت والأوزوكريت واستخراجهم وتطويرهم ومعالجتهم وتداولهم تجاريًا ونقلهم وبيعهم على امتداد كل أراضي الإمبراطورية الفارسية لمدة ستين عاماً".

كان امتياز التنقيب عن النفط الفارسي ممنوحاً بالأصل إلى شركة دارسي للتنقيب عن النفط في سنة ١٩٠١، بشرط أن تدفع الشركة نسبة ستة عشر في المائة من صافي أربحاها إلى بلاد فارس. ومع ذلك فإن هذه الصياغة البسيطة، والمكتوبة في السنوات الأولى لبداية التنقيب عن النفط، جعلت من الصعب تحديد العائدات بدقة. كما أن هناك اتفاقاً آخراً، وهو معروف باسم إتفاقية أرميتاج-سميث، تم التوقيع عليه في سنة ١٩٢٠ وهو يضفي مزيدًا من الوضوح على الشروط.

على الرغم من أن دارسي نفذ المشروع كمغامرة شخصية لتحقيق الربح، إلا أنه كان للإمتياز تأثيراً قوياً على تطور شركة النفط الأنجلو-فارسية  وأدّى في نهاية المطاف إلى توجيه مصالح الحكومة البريطانية في المنطقة.

مشهد عبر "ميدان النفط"، حقول النفط قرب مسجد سليمان، إيران، ١٩١٧. Photo 496/6/48
مشهد عبر "ميدان النفط"، حقول النفط قرب مسجد سليمان، إيران، ١٩١٧. Photo 496/6/48

امتياز دارسي

في سنة ١٩٠٨، بعد اكتشاف النفط في بلاد فارس من قبل مهندسي دارسي، بدأت الحكومة البريطانية بممارسة نفوذ أكبر على شؤون الشركة، وهذا ما أزعج الفرس. غير أن الحال كان قد تبدَّل: فبحلول سنة ١٩١٤ - وقبل فترة طويلة من تغيير إسم الشركة إلى شركة النفط البريطانية المحدودة في سنة ١٩٥٤ - كانت الحكومة البريطانية قد امتلكت غالبية أسهم الشركة.

بلاد فارس تتحول إلى إيران

وأثرت التغييرات الداخلية في البلاد أيضًا على العلاقة بين السلطات والشركة.فبعد سقوط إمبراطورية قاجار في سنة ١٩٢٥، اتخذت السلالة الحاكمة البهلوية نهجاً مختلفًا تجاه الامتياز والمصالح البريطانية المصاحبة لذلك.

لم تكن الشكاوى المصرَّح بها ضد الشركة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى مالية وتجارية فقط، بل كانت الحكومة المستبدة تسعى إلى جعل الشركة "إيرانية" واتهمتها بعدم توظيف القوة العاملة الإيرانية. كما كان ثمة توجه مشابه  يهدف إلى حماية البلاد من المصالح والنفوذ الأجنبية  دفع رضا شاه إلى اتخاذ قرار في سنة ١٩٣٥ بتغيير اسم الدولة من التسمية الأجنبيية "بلاد فارس"، الاسم الذي كان يشتهر به البلد خارجياً لكنه كان في واقع الأمر يشير إلى مقاطعة واحدة فقط، إلى التسمية المحلية "إيران"،الاسم المستخدم داخلياً.

١٩٣٢: الحكومة الفارسية تلغي امتياز النفط

تأثر نمو الشركة  بالركود الذي شهدته سنة ١٩٣٠، وفي سنة ١٩٣١ انخفضت الإتاوات إلى ما يعادل ربع إتاوات العام السابق. وفي نوفمبر ١٩٣٢، أصدر الشاه شخصياَ قرارًا بإلغاء الامتياز بزعم أن شركة النفط الأنجلو-فارسية لم تكن تتصرف على هوَى مصالح بلاد فارس. إضافة إلى ذلك، كانت هناك مزاعم بأن الشركة لم تكن تستخرج النفط والمعادن بكميات كافية من المنطقة، ولا تقوم بدفع إتاوات  كافية.ويرجح أن الأسباب السياسية للإلغاء كانت مرتبطة أكثر بالرغبة في التحرر من النفوذ البريطاني، بينما كان الدافع المالي يتمثل في الحصول على إتاوات أعلى، مما يوفر الأرباح ويساعد على وجه الخصوص في تمويل خطط رضا شاه الرامية إلى تحديث الدولة.

برقية من الوزير البريطاني في طهران، بتاريخ ٢٨ نوفمبر ١٩٣٢. IOR/R/15/1/635، ص. ١‎ح و
برقية من الوزير البريطاني في طهران، بتاريخ ٢٨ نوفمبر ١٩٣٢. IOR/R/15/1/635، ص. ١‎ح و

دفاعًا عن الإمبراطورية

طبقًا لما كتبته الصحيفة السوفيتية ازفستيا آنذاك، فإن إلغاء الامتياز مثَّل "خرقًا خطيرًا لسياسة إنجلترا الاستعمارية". وبعد مناقشات مطولة في وزارة الخارجية، اتفقت الشركة والحكومة البريطانية على الطعن في حق الشاه بإلغاء الامتياز.

ومن المثير للاهتمام أن الحكومة تدخلت بشكل مباشر لدعم مصالح الشركة إلى الحد الذي اعتُبر إلغاء امتياز دارسي لسنة ١٩٠١ نزاعًا بين بريطانيا وإيران وتمت إحالة المسألة إلى مجلس عصبة الأمم.

واعتبر المجلس تصرف الحكومة البريطانية متعارضاً مع القانون الدولي، وتبين أنه لا يحق لهم تحويل المسألة إلى قضية دبلوماسية. وفي النهاية تم حل النزاع  بين الطرفين بشكل غير رسمي تحت إشراف مقرر المجلس، وبدأت المفاوضات حول امتياز جديد في أبريل ١٩٣٣.

مقتطف من رسالة تنقل التقرير النهائي عن النزاع  بين شركة النفط الأنجلو-فارسية وإيران بتاريخ ١٣ نوفمبر ١٩٣٣. IOR/R/15/1/636، ص. ١٤٣و
مقتطف من رسالة تنقل التقرير النهائي عن النزاع بين شركة النفط الأنجلو-فارسية وإيران بتاريخ ١٣ نوفمبر ١٩٣٣. IOR/R/15/1/636، ص. ١٤٣و

امتياز جديد

أُعيد التفاوض سريعًا على امتياز جديد يسري حتى سنة ١٩٩٣ وتم التوقيع عليه في ٢٨ أبريل ١٩٣٣ مع الشركة التي تغير اسمها الآن إلى "شركة النفط الأنجلو-إيرانية (AIOC)". وألزم هذا الاتفاق الجديد الشركة  بتوظيف المزيد من الإيرانيين وتكرير النفط في إيران وتوسيع نطاق الامتياز ليشمل قاع البحر في الخليج. وهكذا فقد ساعد الامتياز في تحديد الحدود مع العراق في شط العرب وتعيين حدود المياه الساحلية الإيرانية في الخليج.