عرض عام
يصعُب على الغرباء الاندماج في الكويت نظرًا لكونها من المجتمعات القائمة على الأسرة، لكن يسهل على الشخص الاندماج في هذا المجتمع متى تم تقديمه.
- عبد الله الجده، عازف المرواس (الطبلة)، مايو ٢٠١٤
واجهت صعوبة لدى وصولي لأول مرة إلى مدينة الكويت في تخيّل ازدهار ثقافة الموسيقى التقليدية في المدينة التي ينطق كل حجر فيها بالحداثة والعصرية. ولكن كما أوضح لي عبد الله الجده، يظهر لك جليًا التراث الثري للثقافية الموسيقية النابضة بالحياة فور تعريفك شخصيًا على الأماكن المتعددة التي لا تزال تُعزف فيها الموسيقى التقليدية.
عكفتُ في الفترة من ١٠ مايو إلى ٢ يونيو ٢٠١٤ على إجراء بحث حول الموسيقى التقليدية والتاريخ المروي شفويًا في الكويت. وهناك سنحت لي فرصة تسجيل الموسيقى التقليدية والرقص في الفعاليات الموسيقية الخاصة وجلسات التسجيل ذات الترتيبات الخاصة.
تهدف أبحاثي وأعمالي الميدانية في المقام الأول إلى إكمال التسجيلات التاريخية والتجارية (أسطوانات الشيلاك بصورة أساسية) وتسجيلات الأعمال الميدانية القديمة الخاصة بالكويت في مجموعات المكتبة البريطانية.
وعلى الرغم من إدراكي لشيوع الثقافات الموسيقية التقليدية شديدة الثراء والتنوع في الكويت غير أنه لا يمكن أن يتضمن بحثي سوى بعض عينات الخاصة بالأنواع نظرًا للقيود الزمنية. لذا تشكل التسجيلات الصوتية وتسجيلات شرائط الفيديو الجديدة التي أعددتها خلال فترة إقامتي بالكويت نافذة صغيرة تطل على بعض الثقافات الموسيقية التقليدية والناشئة في الكويت.
الأنواع الموسيقية وأنواع الرقص
بات جليًا بالنسبة لي بعد الوقت الذي أمضيته في الكويت أنها تعد، ولا تزال من عدة نواحٍ، مركزًا للموسيقى التقليدية في الخليج العربي. وتتقاسم الكويت مع البحرين شرف كونهما مهد العديد من الأنواع الموسيقية الشهيرة مثل نوع الصوت.
احتل نوع الموسيقى البحري (موسيقى البحر)، على وجه الخصوص، قلب الساحة الموسيقية في الكويت. وأظهرت العديد من التسجيلات الصوتية وتسجيلات شرائط الفيديو عدة مشاهد وأصوات من "حقبة ستينات القرن العشرين الصاخبة"، عندما كان العازفون والعازفات يمارسون العزف على نطاقٍ واسع وتولت شركات التسجيل والتلفزيون تسجيل تلك الإبداعات. وحافظت الكويت على هذه الثقافة الموسيقية التقليدية المزدهرة حتى يومنا هذا، حيث تُمارس بشكلٍ حصريّ تقريبًا في البيوت الخاصة والديوانيات شبه الخاصة. وعادةً ما تُستخدم تلك الأماكن التقليدية للإستقبال، فيستقبل فيها الرجال الكويتيين الضيوف، كمقار لعزف الموسيقى.
بخلاف الأنواع الموسيقية العربية الخليجية، كأنواع الصوت والسمرة (وهي موسيقى بدوية تؤديها مجموعتين من المطربين) و الليوا (موسيقى رقص شعائرية متأثرة بالطابع الأفريقي) والبحري والخدري (وهو نوع تعبّدي)، فقد سجّلنا كذلك أنواع المابلا الموسيقية الخاصة بأنواع الأوبانا والخلخالي والدافو ميوتو والمابلا باتو. علمًا بأن هذه الأنواع قد نشأت من المجتمع الكيرالان بالكويت.
وتعرفي على بن حسين أحد أقدم الموسيقيّين بالديوانية، كان الحدث الأبرز في رحلتي البحثية بالكويت. وهناك تعرفتُ على موكبٍ كبير من الموسيقيّين الكويتيين التقليديين وقمت بتسجيل حفلة أمسية الخميس المبهجة حيث عزف الفنانون وغنّوا ورقصوا على أنغام موسيقى البحر، مثل الصوت والليوا، بالإضافة إلى الأنواع الموسيقية الكويتية الأخرى.
وقد أشار يوسف الجده، أحد مطربي الصوت الذين قابلتهم خلال حفلة بأحد الأجنحة الخاصة في فندق الجميرة الخمسة نجوم بمدينة الكويت في مايو ٢٠١٤، إلى التغيّرات الكبيرة الطارئة في الخلفية، حتى مع مثابرة تقليد الأداء الجماعي. فقال:
اعتدتُ منذ عدة سنوات الغناء في هذا المكان مع بعض الموسيقيّين من البحرين. كنا نجلس على الرمال ولم يكن هذا الفندق قد شُيّد بعد.
كانت الكويت مصدر إلهام من الناحية الموسيقية بالنسبة لي، فعلى الرغم من تسارع إيقاع الحداثة المنتشر في شتى أنحاء الخليج، والذي يعتم بالعزف التقليدي القائم حاليًا في الفنادق بالإضافة إلى الديوانية, إلا أن الموسيقى التقليدية لا تزال تحظى بنصيبها من العزف في التجمعات الخاصة على الأقل بصفة أسبوعية. وبالرغم من الغياب الواضح في الوهلة الأولى لأي أبنية قديمة في منتصف المدينة والذي قد يشي بانصهار الثقافة في بوتقة الحداثة بالكامل، إلا أنه من الواضح للعيان استمرار تمتع الثقافة الموسيقية بالحيوية.