"بانيان" الخليج

اقتبس هذه المقالة

عرض عام

حقيقة "البانيان" ووصفهم في سجلات مكتب الهند

مقدمة

كان توماس هربرت أحد المسؤولين الحكوميين الإنجليز الذين سافروا ضمن بعثة دبلوماسية إلى بلاد فارس [إيران] الصفوية خلال الفترة من ١٦٢٧ إلى ١٦٣٠. وقد نشر بعد رحلته تلك تقريرًا عنها وصف فيه " البانيان تاجر من أصلٍ هندي. " بأنهم "السكان الأصليون لهذه الأجزاء" وأنهم "يتجمعون في أرجاء الشرق [...] ويُمارسون التجارة بأعداد غفيرة". كما يروي توماس قصة عن رحلة لرؤية شجرة ضخمة مترامية الأطراف خارج بلدة جمبرون [بندر عباس]. ويذكر في قصته أسماءً مختلفة لهذه الشجرة، "البعض يُطلق عليها شجرة التين المقوسة، والبعض الآخر يُطلق عليها شجرة الجذور؛ والبعض يسمونها الهندية والغوا؛ بينما نحن نُسميها البانيان، حيث يزخرفونها بما يتراءى لهم مستخدمين أحيانًا شرائط، وأحيانًا أخرى شرائط ملونة مصنوعة من قماش التفتة متعدد الألوان" (215.e.12.، ص. ١١٥). لا يزال يُطلق على هذه الشجرة اسم " بانيان تاجر من أصلٍ هندي. " باللغة الإنجليزية، ولكن ممَن اشتُق اسمها؟

"شجرة البانيان"، وفق وصفها في الترجمة الإنجليزية لكتاب مجموعة رحلات عبر تركيا إلى بلاد فارس وجزر الهند الشرقية (١٦٨٤) لمؤلفه جون-بابتيست تافيرنييه. 567.i.19.، ص. ٢٥٦ب
"شجرة البانيان"، وفق وصفها في الترجمة الإنجليزية لكتاب مجموعة رحلات عبر تركيا إلى بلاد فارس وجزر الهند الشرقية (١٦٨٤) لمؤلفه جون-بابتيست تافيرنييه. 567.i.19.، ص. ٢٥٦ب

من هم "البانيان"؟

استخدم التجار والمسؤولون البريطانيون كلمة " بانيان تاجر من أصلٍ هندي. " للإشارة إلى مجتمعات التجار المغتربين المهاجرين من جنوب آسيا إلى الخليج. ويعود أصل الاسم إلى اللغة السنسكريتية، ثم تأثر باللغات الهندية والأردية وغيرهما من اللغات المحلية العامية، وهو الصيغة الإنجليزية للكلمة المستعارة من اللغة الفارسية، وهي لغة الشؤون الإدارية الرسمية في جنوب آسيا قديمًا. وكان الاسم يُشير في الأصل إلى مجموعة طوائف اشتهروا بخبرتهم الزراعية. ومع تعاقب الأيام، نوّعوا من أنشطتهم واشتغلوا في التجارة، ثم عملوا بعد ذلك في مجموعة متنوعة من الخدمات والمهن الأخرى، بما في ذلك إدارة المتاجر والسمسرة وإقراض الأموال والخدمات المصرفية والمحاسبة، فضلًا عن خدمات الترجمة والسكرتارية والخدمات الرسمية مثل جمع المعلومات الاستخبارية.

لوحة بالألوان المائية لتجار من كجرات ومالابار وكانارا مع زوجاتهم، وتذييل مرافق بأنهم "ساهوكار" (أي أنهم من كبار رجال الأعمال أو المموِّلين). © مجلس المكتبة البريطانية، Add Or 52
لوحة بالألوان المائية لتجار من كجرات ومالابار وكانارا مع زوجاتهم، وتذييل مرافق بأنهم "ساهوكار" (أي أنهم من كبار رجال الأعمال أو المموِّلين). © مجلس المكتبة البريطانية، Add Or 52

واستخدم المسؤولون البريطانيون في جنوب آسيا اسمَ " بانيان تاجر من أصلٍ هندي. " لوصف هذه المجموعة، إلا أنه أُطلق في الخليج على مجتمعات جنوب آسيا عمومًا، بالرغم من وجود أفراد مختلفين من حيث المهن والطوائف والدين والأصول الجغرافية، ضمن هذه المجتمعات. ونظرًا لمعنى الاسم وأهميته في سجلات مكتب الهند، فإنه يتطلب دراسة متأنية.

"البانيان" في سجلات مكتب الهند

ترد في سجلات يوميات ومشاورات جمبرون، المملوكة لشركة الهند الشرقية وتعود إلى بداية القرن الثامن عشر، إشارات إلى " بانيان تاجر من أصلٍ هندي. " ينقلون معلومات ويعملون كوسطاء لصالح شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا . أما " بانيان تاجر من أصلٍ هندي. " الخليج، فقد عملوا كوكلاء لتجار من عدة دول أوروبية، واستمروا في ذلك حتى القرن التاسع عشر. ومع بزوغ نجمهم في جميع جوانب التجارة في الخليج، لم تكن جهود شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا لتأسيس وجود تجاري في المنطقة لتفلح بدونهم. وأثناء سعي بريطانيا لترسيخ قدمها أكثر في أوائل القرن التاسع عشر، كانت مصالح التجار " البانيان تاجر من أصلٍ هندي. " تأتي أحيانًا ضمن المبررات البريطانية للتدخلات العسكرية عام ١٨٠٩ وعام ١٨١٩.

وتبعًا لذلك، أجرت البحرية الهندية خلال عشرينيات القرن التاسع عشر مسحًا تفصيليًا لساحل الخليج. وكان القبطان جورج بروكس من بين القائمين على ذلك المسح، وقد نشر ملاحظاته عن الموانئ التي زارها، بما في ذلك وصف لمسقط ذكر فيه أنه "يُقيم هنا ألفا بانيان تاجر من أصلٍ هندي. تقريبًا، ولهم تجارة مزدهرة."

مقتطف من مذكرات بروكس، حيث يصف "البانيان" بأنهم "وسطاء لمعظم التجار العرب، وبشكل عام وكلاء لأي سفينة أوروبية تتاجر في هذا المكان." IOR/R/15/1/732، ص. ٦٣١
مقتطف من مذكرات بروكس، حيث يصف "البانيان" بأنهم "وسطاء لمعظم التجار العرب، وبشكل عام وكلاء لأي سفينة أوروبية تتاجر في هذا المكان." IOR/R/15/1/732، ص. ٦٣١

كما يذكر تقرير بروكس وجود حوالي ألف " بانيان تاجر من أصلٍ هندي. " من السند وكوتش في بلدة مطرح المجاورة، بالإضافة إلى عدة مجتمعات مماثلة أصغر في موانئ الخليج الأخرى حيث "تُقيم هنا بهدف التجارة" (IOR/R/15/1/732، ص. ٦٢٩). لا شك أن " البانيان تاجر من أصلٍ هندي. " كانوا إحدى ركائز العمليات التجارية في الخليج.

وبالرغم من ذلك، وبسبب بروز مجتمعات تجار جنوب آسيا في تجارة الخليج، نشبت خلافات مع الحكام العرب المحليين، وتحتوي سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. على حالات متكررة يطلب فيها " البانيان تاجر من أصلٍ هندي. " الحماية من منطلق كونهم رعايا للهند البريطانية. على سبيل المثال، يسرد أحد السجلات تفاصيل حالة وقعت عام ١٨٤٥ وصاحبها من " البانيان تاجر من أصلٍ هندي. " واسمه سيث هيرجي. شغل سيث منصب ملتزم جباية الرسوم الجمركية في مسقط، إلا أن الحاكم أقاله من ذلك المنصب. فرّ سيث إلى الخواجة حزقيل بن يوسف، الوكيل المحلي وكلاء غير بريطانيين تابعين للحكومة البريطانية. في مسقط، مدعيًا تلقيه تهديدات من دائنيه. وبسبب تقديم الحماية، تلقى الخواجة حزقيل توبيخًا من الرائد صمويل هينيل، المقيم البريطاني في الخليج العربي، حيث اعتبر المسألة لا ترقى لمستوى يستدعي التدخل البريطاني. وفي عام ١٨٥٨، انتهج فيليكس جونز، خليفة هينيل في منصب المقيم البريطاني، نفس السياسة، كاشفًا عن نظرته الدونية "للبانيان" وعملياتهم في الخليج. فقد صرح بأن "المعاملات العادية [...] ينبغي ألا تشغل فكر المقيم البريطاني" لأنها تتم "بطريقة معقدة وربوية، خاصة مع السكان المحتاجين من ناحية، ومع طبقة مضارِبة ومنهِكة للغاية مثل البانيان تاجر من أصلٍ هندي. من ناحية أخرى" (IOR/L/PS/20/C91/2، ص. ٢٠٨٨).

يسلط هذا التعليق الضوءَ على استخدام المسؤولين البريطانيين في الخليج لهذا الاسم. ينبغي اعتبار كلمة " بانيان تاجر من أصلٍ هندي. " واحدة من مجموعة التعبيرات والعبارات المُستخدمة كوسيلة لتحديد غير الأوروبيين وتمييزهم للقراء البريطانيين بشكل رئيسي. بالرغم من تواجد " البانيان تاجر من أصلٍ هندي. " لفترة طويلة، فقد كانوا في نظر شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا أقلية متجولة لا أصول لها في منطقة الشرق الأوسط، واعتُبروا مجموعة منفصلة عن أقرانهم الفارسيين أو الأتراك أو العرب أو الأفارقة في المجتمعات المضيفة. ومن ثم، تعددت مضامين الاسم، ويشير استخدامه في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. إلى مجموعة من الدلالات المرتبطة بالسياق وترمز إلى الهويات العرقية والإقليمية والدينية والطائفية، فضلًا عن المهن التجارية والخدمية. ويُخلّد ذلك بدوره بعض الصور النمطية والآراء الثقافية.

على سبيل المثال، بعد أن أجرى الملازم جيمس ويلستيد من البحرية الهندية زيارة لميناء بربرة، كتب في عام ١٨٣٨ عن " البانيان تاجر من أصلٍ هندي. " مستخدمًا تعبيرات عامة وازدرائية، مدعيًا أنه "من البصرة في الخليج الفارسي المصطلح التاريخي المستخدم للإشارة إلى المسطح المائي الذي يفصل بين شبه الجزيرة العربية وإيران. إلى الحديدة في البحر الأحمر، توجد في جميع بلدات ساحل الجزيرة العربية تقريبًا عدة عائلات من هذا العرق الخبيث".

مقتطف من كلام ويلستيد، حيث يتهم "البانيان" بمحاولة "التكتم على إجراءاتهم، وإقصاء الطبقات الأخرى [...] من أي مشاركة في مكاسبهم." الترحال في الجزيرة العربية، مجلد II (لندن: ١٨٣٨)، ص. ٣٦٨. ملكية عامّة
مقتطف من كلام ويلستيد، حيث يتهم "البانيان" بمحاولة "التكتم على إجراءاتهم، وإقصاء الطبقات الأخرى [...] من أي مشاركة في مكاسبهم." الترحال في الجزيرة العربية، مجلد II (لندن: ١٨٣٨)، ص. ٣٦٨. ملكية عامّة

يُظهر وصف ويلستيد عددًا من التوصيفات البريطانية المتكررة لأفراد " البانيان تاجر من أصلٍ هندي. "، بما في ذلك صفات الجشع والتكتم والمكر المزعومة. نادرًا ما ترد هذه التوصيفات مُفصلة على هذا النحو، ومع ذلك فهي واردة بطرق غير ملحوظة في سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. .

ويتضح ذلك في حالة سيث هيرجي. فقد حمل لقبًا هنديًا، يُطلق على رجال الأعمال رفيعي المستوى، وشغل منصبًا للإشراف على جمارك مسقط، مما يدلل على مكانته الاجتماعية المرموقة. بالرغم من ذلك، تغافل المسؤولون البريطانيون في مراسلاتهم عن لقبه وسموه "هيرجي" أو "هيرجي البانيان تاجر من أصلٍ هندي. ". أدى ذلك إلى الحط من وضعه الاجتماعي وتقديم خلفيته الثقافية والعرقية على مكانته المهنية. يوضح هذا المثال كيف أن سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. صنفت هويات الأفراد، على الدوام، إلى فئة عريضة من " البانيان تاجر من أصلٍ هندي. "، ويُشار إليها في الغالب بأساليب فيها ما فيها من الانتقاص والتعالي.

الخاتمة

يقل ظهور اسم " بانيان تاجر من أصلٍ هندي. " أكثر وأكثر كلما اقتربت مواد سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. من القرن العشرين، وبُدل بإشارات عامة إلى "التجار الهنود" أو بمصطلحات أخرى تُعرّف وظيفة الفرد أو مهنته على وجه التحديد. ولا يوجد ما يوضح سبب العزوف عن استخدام هذا المصطلح. ربما نجم ذلك عن تزايد معرفة المسؤولين البريطانيين بمجتمعات جنوب آسيا في الخليج، وبالمصطلحات والأسماء التي تميزهم عن بعضهم.

لوحة بالألوان المائية لتاجر يبيع الحبوب لزبونة، مع تذييل مرافق بأنه "بانيان". © مجلس المكتبة البريطانية، Add Or 79
لوحة بالألوان المائية لتاجر يبيع الحبوب لزبونة، مع تذييل مرافق بأنه "بانيان". © مجلس المكتبة البريطانية، Add Or 79

ومع هذا، يُعد استخدام مصطلح " بانيان تاجر من أصلٍ هندي. " على نطاق واسع امتد على مدار ثلاثمائة عام، للإشارة إلى مجتمعات تجار جنوب آسيا في الخليج، دليلًا على شهرة هذه المجتمعات في جميع جوانب التجارة في الخليج لفترة طويلة، بالإضافة إلى اعتماد شركة الهند الشرقية مؤسسة بريطانية كانت تدير المصالح التجارية والعسكرية في الهند وجنوب غرب آسيا على تلك المجتمعات في سعيها لترسيخ قدمها في المنطقة. فضلًا عن ذلك، يُعد هذا تذكيرًا بضرورة قراءة سجلات مكتب الهند إدارة الحكومة البريطانية التي كانت الحكومة في الهند ترفع إليها تقاريرها بين عامي ١٨٥٨ و١٩٤٧، حيث خلِفت مجلس إدارة شركة الهند الشرقية. بعين النقد من منظور الأفكار الرائجة بين المسؤولين الاستعماريين في ذلك الوقت، وخصوصًا تلك المتعلقة بالتمييز العرقي والثقافي والوطني. في إطار هذه النظرة للعالم، لقت مجتمعات " البانيان تاجر من أصلٍ هندي. " تمييزًا باعتبارها من فئة "الآخر"، كما يتضح من الاستخدام المنهجي لمصطلحات وصفية تمييزية.